للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الآلهة بأنها لَا تنفع ولا تضر ليس سبا، ولا يمنع أن يقال بيانا للحقائق، وإبعادا لهم عن عبادتها، وليس سبا منهيا عنه، ولو أدى إلى قول القبيح، إنما النهي عن سب الأوثان؛ لأنها ليست هي العاصية، ولما يؤدي إليه السب.

ومهما يكن تعليقنا على قول الإمام الزمخشري فإن مسألة سد الذرائع ثابتة، والآية الكريمة توحي إليها وتحث عليها، وإنه من المقررات ما يفضي إلى المعصية يعد معصية، ولو كان أصلها مباحا.

(كذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أمَّةٍ عَمَلَهُمْ).

أي كذلك الذي نراه من اندفاع المشركين إلى سب الله تعالى، وهو العلي الحكيم، إذا كان السب لآلهتهم كذلك الأمر زَيَّن الله تعالى بمقتضى سنته في الأحياء أن في كل أمة أي طائفة من يُحَسَّن لها عملها، حتى تظنه الحق وما هو إلا الباطل الصراح، ومن زين له سوء عمله فظنه حسنا، فإن عليه مغبته؛ وعليه تبعة ذلك الظن الفاسد وذلك العمل الظالم، وتزيين الله تعالى لكم ذلك سنة الله تعالى في خلقه، ليس مؤداه أنه يبرره، ويرضى عنه، فإن بيان الله تعالى هنا هو بيان لسنة الوجود، وليس ذكرًا للعقاب والثواب، والتكليف، وإنه مختار فيما يفعل ومرده إلى الله تعالى في العقاب والثواب؛ ولذا قال تعالى: (ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).

أي أنه إذا كان قد زين لهم سوء عملهم فرأوه حسنا في الدنيا، فإنهم راجعون إلى ربهم يوم القيامة، والتعبير بـ " ثم " للدلالة على البعد الزماني في نظرهم، والبعد بين ما زين لهم من الشر، وما يستقبلهم من جزاء؛ وفاقا لما عملوا من شر، وقوله تعالى: (إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهمْ) فيه تقديم الجار والمجرور على ربهم، للدلالة على الاختصاص، أي المرجع إلى الله وحده، وهو الذي يتولى جزاءهم على ما قدموا من شر، والتعبير بـ (ربهم) إشارة إلى كفرهم بالنعم التي أوْلاهم؛

<<  <  ج: ص:  >  >>