للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقدمت همزة الاستفهام على الفاء؛ لأن الاستفهام دائما له الصدارة، و (حكما) معناها حاكم، بيد أن حُكْمه دائما حقا صوابا، والحاكم قد يكون صوابا وربما يكون غيره، وقد يكون حقا وربما يكون غيره، والمعنى الجملي: أتقولون في القرآن ما تقولون، وتطلبون آيات أخرى غير القرآن، وتريدون أن يكون غير الله تعالى حكما، وإنها في هذا المقام أهواؤكم.

وهنا إشارات بيانية:

أولاها: أن الاستفهام إنكاري بمعنى النفي، أي لَا أبتغى غير الله تعالى حكما، وقد قدم غير الله حكما، لمزيد استنكار ذلك، وإنه غير معقول وغير جائز، وغير مقبول في ذاته.

الثانية: أن الابتغاء من (بغى) بمعنى طلب، ومن موضع الاستنكار أن يرضي بغير الله حكما، فضلا عن أن يبتغيه، ويطلبه طلبا مشددا فيه، كما يريدون أن يطلب النبي - صلى الله عليه وسلم -، والله تعالى هو الذي ارتضى له هذه الآية، وهي القرآن الكريم.

ولذا قال تعالى على لسان النبي: (وَهُوَ الَّذِى أَنزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مفَصَّلًا) وهذه الجملة حالية، أي كيف أبتغي غير الله تعالى حكما في آياته وقد أصدر حكمه، وأنزل إليكم الكتاب مفصلا مبينا معرفا بالأحكام المطلوبة، والأحكام المنهية في بلاغة، تحداكم أن تأتوا بمثلها فعجزتم عجزا مبينا.

وقوله تعالى: (أَنزَلَ إِلَيْكمُ الْكِتَابَ) أي آتاكم آيته؛ الكتاب الكريم مفصلا مبينا حجة باهرة، وقد شهدت له الكتب السابقة والأنبياء السابقون؛ ولذا قال تعالى:

(وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُم الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّه مُنَزَّلٌ من رَّبِّكَ بِالْحَقِّ)

فالله سبحانه وتعالى يبين أنه كتاب مجيد يعلمه السابقون من الأنبياء، وهو كتاب أزلي أبدي، علم أمره السابقون وسيبقى في الخلود إلى يوم الدين، وقد

<<  <  ج: ص:  >  >>