للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد حرَّم الله الإثم الظاهر والخفي، في هذه الآية، فقال تعالى: (وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَه. . .) أي اتركوا الإثم في ظاهره وباطنه، وعبر عن الإثم الخفي بباطنه؛ لأنه مستور في باطن النفس غير معلوم، والإثم واحد في الحالين، ظهر أو بطن، ولقد قال تعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرِّم رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْي بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا). وفى هذه الآية سمي الإثم فواحش؛ لأنه زيادة عن الفطرة زيادة فاحشة، فما من معصية إلا كان فيها خروج فاحش على الفطرة.

(إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ) هذا هو الجزاء الذي كتبه الله تعالى، لمرتكبي الآثام ما ظهر منها وما بطن، والذين يكسبون الإثم، سواء أكانوا يكسبونه بجوارحهم الظاهرة، أم يكنُّونه في نفوسهم مع اعتزاله، والحرص عليه، (سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُون) و (السين) هنا لتأكيد الوقوع في المستقبل، وعبر سبحانه وتعالى بالموصول للإشارة إلى أن الصلة سبب الجزاء، وأن الجزاء يعم كل من يفعل، وكسب الإثم ارتكابه بقصد وإصرار عليه، وإغلاف باب التوبة، والكسب يجعله يسكن في النفس حتى يصير لونا من ألوانها، أو تعزيزه والملكة فيها، فلا يقال إنه كسب السوء، من يفعله مرة أو مرتين عن جهالة ثم يتوب من قريب.

وقال تعالى في الجزاء: (سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ) والاقتراف الكسب، ويطلق كثيرا على الكسب الآثم، وقد يطلق في قلة على كسب الخير، كما في قوله تعالى: (وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ).

* * *

<<  <  ج: ص:  >  >>