ينسَون ما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - من أمانة قربته منهم، وجعلته الثقة فيهم، ويقولون مرة كذاب، ويقولون أملاه عليه قوم آخرون، ويقولون ثالثة: إنه مسحور، وما كان يدبر ذلك القول إلا إذا كانوا بحكم وصفهم الجاهلي أشرافا وأكابر، فبين تعالى أن ذلك شأن أعداء النبوات، ويكون أكابرهم مجرميهم ويمكرون بالنبي ومن معه؛ ولذا قال تعالى:
الأكابر جمع أكبر، وهو الذي بلغ أعلى العلو في قومه على حسب مقياس العلو عندهم، وكذلك، أي كالحال التي ترى من ذوي البيوتات في قومك جعلنا في كل قرية، أي مدينة عظيمة، أكابر مجرميها يمكرون ويدبرون وقوله تعالى:(أكَابِرَ مُجْرِمِيهَا) الظاهر منها أن " أكَابِرَ " مضافة إلى " مجرميها "، أي صيرنا في كل قرية مجرميها، (لِيَمْكُرُوا فِيهَا) أي يدبرون ما يقاومون به الأنبياء، ويعارضون، ويكون المؤدى الذين يعارضون الأنبياء في القرى أي المدن هم الذين يمكرون المكر السيئ فيها، وهذا كقول الله تعالى:(وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (٣٤) وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (٣٥).
وإن مقياس الكبر عندهم هو النسب وكثرة المال والقوة الظاهرة، وليست الأخلاق الفاضلة والعقيدة السليمة والشرف الذاتي الذي لَا يكتسب بالنسب، ولكن يكتسب بالخلال الكريمة الفاضلة.
ومعنى (لِيَمْكُرُوا فِيهَا)، أي ليدبروا الأمور العامة كما يحبون، أي يسيطرون على الفكر العام، فلا يكون الرأي العام عندهم فاضلا، وإنما يكون فاسدا أثيما.
(وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ) أي إن عاقبة التدبير الفاسد الأثيم يعود عليهم بالوبال؛ لأنهم يريدون إعلاء الرذيلة بتدبيرهم وإنكار الحق بتفكيرهم،