أيديهم من أخبار كسفيتة نوح وإغراق قومه، وأخبار موسى، وتسع آيات يينات جاءت على يده، وأخبار شعيب وصالح ولوط وهود، وما جرت من آيات حسية نزلت لهم ليؤمنوا، ونزلت بهم إذ كفروا، والمشركون متعنتون دائما ليسوا طلاب هداية، ولكنهم طلاب إعنات، وإرهاق ليبرروا جحودهم، ومظهر إعناتهم أن يطلبوا آيات وحسبوا أو أظهروا أن آية القرآن - وهو المعجزة الكبرى - لا تكفيهم (١)، وقد طلب منهم أن يأتوا بمثله فعجزوا وبدا عجزهم عيانا، ومع ذلك أخذوا يمارون، ويطلبون آيات، أو تأتيهم آية مثل ما أوتي الرسل أنفسهم. ومع أنهم لم يؤمنوا بالقرآن، ولم يعرفوا الرسلِ إِلا عن طريقه، طلبوا آيات كآيات الرسل الذين لم يؤمنوا بهم وقالوا (لَن نّؤْمِن حتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ).
قالوا مؤكدين النفي بـ (لن) بأنهم لَا يؤمنون، (حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ)، أي حتى نؤتى من المعجزات مثل ما أوتي رسل الله.
أي أنهم إذا جاءتهم آية بينة تدل على رسالة النبي - صلى الله عليه وسلم - قالوا مؤكدين النفي، لن نؤمن حتى نؤتى الآيات التي أوتيها رسل الله تعالى، أي حتى ينزل علينا كما نزل عليهم، أو تكلمنا الملائكة كما كلموهم، وجاء ذلك على لسان بعض المشركين الذين يمكرون في أم القرى، وقد قال تعالى عنهم، إنهم يريدون أن يكونوا كالرسل لهم صحف منشرة (بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً (٥٢).
وروى أنه عندما دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - قومه في مكة، وأبلغهم أنه رسول من رب العالمين، قال الوليد ين المغيرة: لوكانت النبوة حقا لكنت أولى بها منك، لأني أكبر منك سنا وأكثر منك مالا، وقال أبو جهل: والله لَا نرضى ولا نتبعه حتى يأتينا وحي كما يأتيه.
(١) راجع كتاب (المعجزة الكبرى) للمؤلف - طبعة دار الفكر العربي. وقد نصح الإمام رحمه الله تعالى في المقدمة بقراءته كتقدمة لهذا التفسير.