وروى أن لبن الوصيلة والسائبة كان الرجال يشربونه والنساء لَا يأخذن منه شيئا، والوصيلة والسائبة لَا يذبحان بل تتركان حتى تموتا، فإذا ماتت إحداهما أكل منه الرجال والنساء.
وإنه يجب إن ننبه هنا إلى أنهم في هذا الإفك الذي يأفكونه يجعلون للمرأة من الطعام الشيء الذي يعاف، ويجعلون للرجل الطيب من الطعام، ولا يحرمونه مما يخص النساء.
وقوله تعالى:(وَقَالُوا مَا فِى بُطُونِ هَذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَة (التاء) أي الوصف بالخلوص، فهي تاء للمبالغة، كالتاء في علامة ونسَّابة، وليست تاء التأنيث؛ لأنها خبر لما في البطون، وبدليل ما بعدها، وهو محرم على أزواجنا، وإن يكن ميتة فهم فيه شركاء.
هذا ضلال جاءهم من أوهامهم في أوثانهم وفساد اعتقادهم؛ فإن فساد الاعتقاد يجعل العقل عشا للأوهام وتضل به الأفهام، وقد ختم الله سبحانه وتعالى الآية بقوله تعالت حكمته:
(سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) الوصف الذي جعل سببا للجزاء، هو الظلم الذي افتروه في جعل بعض الحرث والنعم لله، والطغيان في نصيب الله تعالى وقتل الأولاد من كثير منهم، وتحريمهم بعض الحرث والنسل إلا من يريدون أن يطعموه، وفي الغالب يحبسونه لأوثانهم إلا من يكون فيما حولهم، هذا هو الوصف، وطغوا في الظلم في ذاته، وشرك في الباعث عليه، وظلم لأنفسهم، وإن قوله تعالى:(سَيجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ) قالوا: إن معناه سيجزيهم بوصفهم، فوصفهم منصوب على نزع الخافض وكان حذف (الباء) فيه بيان أن الجزاء، هو على قدر هذا الوصف، وهو الظلم المبين الذي لَا يمكن إلا أن يكون من الشرك وما حوله.
وختم الله تعالى الآية بقوله تعالت حكمته:(إِنَّه حَكِيمٌ عَلِيمٌ) أي أن ذلك الجزاء الحكيم هو من وصفين لله تعالى وهو أنه (حكيم عليم) يضع الأمور