للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ينحدر وينزل، حتى يصل إلى أعلاها، فتكون غصون الأشجار، وأوراق الزروع والثمار، وترى فيها ريق الماء، إذا سقيت، وما ذلك إلا بتصريف الحكيم.

إن الذي أنشأ الأشجار، وأنشأ الزروع والثمار هو الله تعالى، فما كانت الأرض لتخرج الغرس وحدها، ولتخرج الزروع والثمار وحدها، وإنما يخرجها الله تعالى فهو الله تعالى الذي ينشئها.

وقوله تعالى: (مَّعْروشَات)، أي لها مما يشبه العرش يقام على سيقان، كما في الكروم التي تقام على سيقان من الخشب، وأحيانا شبه العروش من غير ما يقام عليه إلا جذور الأشجار، كأشجار البرتقال وغيره مما يشبهه، فإنك إذ تراها متلاحمة تكون كالمعروشات القائمة على العروش، وغير المعروشات، كالأشجار التي تعلو وحدها.

(وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِه).

خص هذه بالذكر، لما لها من أهمية في حاجة الناس، فالنخل قوت وفاكهة، والزرع فيه غذاء الإنسان والحيوان، والحيوان فيه غذاء الإنسان، وكل هذه من نعم الله تعالى ما أنشأناها، ولكن أنشاها خالق هذا الوجود فهو الذي يتولاها في نموها من حبة فلقها، أو نواة شقها، إلى أن تصير نباتا غلظ سوقه، أو نخلة عالية، والزيتون والرمان متشابها في ورقه، فورق الرمان كورق الزيتون يتشابهان، ولكن ثمرتهما مع التشابه في الورق والأغصان لَا تتشابهان.

وقوله تعالى (مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ)، الأكل الطَعْم، وتناوله، فهو مختلف في ذوقه وإن تشابه نموه، وعناصر الأرض التي يتغذى منها، والأسمدة التي تنميه واحدة.

وإن هذا التنويع في التكوين وإشباع الحاجات الإنسانية يدل على فاعل مختار فعال لما يريد، ولنستعرض في هذا المقام كلمات كتبها القرطبي في تفسيره، فقد قال رحمه الله تعالى:

<<  <  ج: ص:  >  >>