للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِلشَّارِبِينَ)، وهكذا كانت آيات الله تعالى تتلى، مبينة نعمة الله في الأنعام يتخذ منها حمولة، ومنها فرش يذبح، ومنها فرش يفرش من أصوافها وأوبارها وأشعارها متاعا إلى حين انتهاء الدنيا.

ولأن الفرش منها الغنم، ونسل الأنعام الذي يذبح، قال تعالى بعد ذلك: (كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ).

والمعنى إذا كان الله تعالى قد خلقها فرَشا يذبح، فكلوا منه، لأنه رزق الله، ورزق الله تعالى يُقبل لأنه عطية الله، ويُشكر عليه، فلا تجعلوا مما رزقكم الله حلالا وحراما كما يفعل الذين يتبعون خطوات الشيطان، والأمر هنا للإباحة، والترغيب في تناول الحلال، وقد قلنا إن أوامر الإباحة تكون فيها الإباحة بالجزء وهي مطلوبة بالكل، فليس للإنسان أن يمتنع عن المباحات، ويترك تناولها، ولا يتركها كلها.

وقد كان بعض العرب يتصدقون بأكثر ما ينتج غرسه، فنهى الله تعالى عن الإسراف وقال: (كلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ).

(وَلا تَتَّبِعوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُو مُّبِينٌ).

الخطوات ما بين الأقدام، والمراد النهي عما يوسوس به الشيطان، وتجنبه بألا يسير سيره الذي يزين به الشر، وفي الكلام مجاز مشهور، والمجاز المشهور تنسى فيه العلاقة والقرائن، وكأنه حقيقة، ومؤدى المجاز تشبيه من يطيع الشيطان فيما يوسوس بالسائر وراء إنسان يتبعه خطوة خطوة، لَا يحيد عن طريقه، ولا يترك طريق الشر الذي يسيو فيه. وقد علل سبحانه وتعالى النهي بأنه عدو بَيِّن العداوة وبيانها ببيان آثارها ونتائجها، وليس معنى (مبين) أنه بَيِّن واضح عند السير وراءه، إنما هو بين في نتائجه وغوايته.

واتباع خطواته هو ما كان عليه الجاهليون فيما رزقهم الله تعالى فحرموا بعضه، بغير ما حرم الله، حرموا السائبة والوصيلة والحام بغير ما أنزل الله،

<<  <  ج: ص:  >  >>