للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا) طالبهم الله تعالى أن يأتوا بعلم يقيني جازم من النقل يدل على تحريم ما حرموه، وقد جاءت النصوص بإباحة الجميع، ثم عدل متهكما عليهم بأن ذكرهم بأنهم قد يدعون أنهم شاهدوا وعاينوا، ولذلك قال تعالى: (أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ) و (أم) فيها معنى الإضراب عما طلب أولا، ثم ذكر أنهم قد يدعون أنهم كانوا حاضرين إذ وصاهم الله تعالى، والله علم من وصى بهذا، وهذا تهكم عليهم، فإنهم ينكرون الوحي، ولا يدعونه لأنفسهم أنهم أوحى إليهم، ولكنها وسوسة الذي أوجد فيهم أوهاما زينت لهم ما فعلوا. وهكذا نجد النص القرآني سلك سبيل الاستقراء والسير والتقسيم فاستقرأ معهم سبب التحريم وإن كان الذكورة فهي تعم الذكور، وإن كان الأنوثة فهي تعم الإناث، وإن كانت الولادة فهي تعم المواليد، ولكنهم يخصون، فطالبهم بدليل من علم، فما عندهم، فسألهم أهم عاينوا ووصاهم الله فهم بلا ريب كاذبون، وهذه هي نتيجة الاستدلال، فهم كاذبون على الله تعالى، ولذا قال سبحانه بعد ذلك: (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كذِبًا لِّيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ).

الفاء لترتيب ما بعدها على معنى ما قبلها، والمعنى إذا كانوا قد كذبوا على الله تعالى، وادعوا أن الله حرمها، فهم ظالمون مفترون ومن أشد ظلما ممن يفتري على الله كذبا ليضل الناس، ومن استفهامية، وهي للإنكار، لإنكار الوقوع، إذ معناه، لَا أحد أظلم ممن افترى على الله كذبا، أي قصد الكذب على الله تعالى بادعاء أن الله تعالى حرم بعض ما رزقهم الله، وهو لم يحرم، وفي ذلك مع النفي توبيخ لهم، لأنهم فعلوا ما استنكر أشد الاستنكار. وإن ظلمهم مركب من أمرين، أولاً لأنهم كذبوا على الله وقصدوا الكذب، والثاني أنه أضل الناس بهذا الكذب على الله، فقال إنه تحريم من الله، وليس من الله في شيء إلا أوهامهم الضالة.

وذلك الظلم والإضلال أوضح ما يكون في كبرائهم الذين أضلوا ضعفاءهم، وقد ختم الله سبحانه الآية بقوله تعالى:

<<  <  ج: ص:  >  >>