هذا هو القسم الثاني مما حرمه الله تعالى، وقد نص على الشحوم مما يدل على سبب التحريم في الماضي فوق أنه يقال إن أكل لحوم الإبل يقسَّي القلب، وقلوبهم قاسية.
وهنا نرى علاج الله تعالى لأجسامهم مع ملاحظة الرحمة بنفوسهم، فقد حرم سبحانه وتعالى الشحوم لما تؤدي إليه من ترهل، وضخامة، مع ضعف قوته وعزيمته، ومع قسوة النفس، وضعف الإحساس، ولكنه استثنى ما لَا يستطيعون عليه صبرا؛ استثنى أولا ما حملت ظهور البقر والغنم لطيب طعامها، ولأنها ليست شحوما كثيرة، ولا تؤدي إلى الترهل الكثير، واستثنى أيضا سبحانه:(أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ). (الحَوَايَا) جمع مفرده حاوية أو حَوْي، وهو ما تحوي واجتمع في البطن، وتشمل المعدة والأمعاء، ومواضع اللبن وأبيح ما حملت من شحم، كما أبيحت هي، وذلك لصعوبة فصله وإخراجه، وكان ذلك تيسيرا وتخفيفا في موضع التحريم، وتسهيلا للاستجابة إن كانوا طائعين.
وأن ذلك التحريم كان علاجا لأجسامهم، ولكسلهم، وفطما لنفوسهم، وتزكية لأرواحهم، وإرهافا لمداركهم وأجسامهم، ولذا قال تعالى:
(ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ) البغي هو الظلم، والظلم يشمل ظلمهم لأنفسهم بانطلاقهم في أكل ما يشتهون، وتسمن به أجسامهم، ويشمل بغيهم على غيرهم بالاعتداء والفحشاء، ويشمل ارتكابهم المعاصي ما ظهر منها وما بطن، ودلت الإشارة فيه إلى ما حرمه تعالى عليهم وفطم به نفوسهم الشرهة، وهذا كقوله تعالى:(فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا (١٦٠) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ). وإن هذا التحريم كان تطهيرا لنفوسهم وتقوية لأجسامهم، وجزاء دنيويا على ما اقترفوا من طغيان.