للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله تعالى: (قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ) الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم -، والفاء للإفصاح عن شرط مقدر، المعنى إذا لم يكن عندكم من علم أيَّ علم بما تدعون، فالله تعالى عنده الحجة البالغة الموصلة للحق الهادية إليه.

وتلك الحجة البالغة هي هذا الخلق والتكوين والإنثاء وتوليد الأحياء بعضها من بعض، فكل هذا يدل على الخالق الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد، وليس كمثله شيء وهو السميع العليم، ولوكان معه آلهة كما يقولون لفسدت السماوات والأرض، وهكذا كل ما في الوجود يدل على أنه واحد سبحانه وتعالى، وأنتم معشر العرب تقرون أنه الخالق وحده ليس كمثله شيء، ولكن مع هذه الحجة التي لَا يمتري فيها عاقل، وتقرون بها تشركون معه غيره في العبادة، والألوهية، فضلت عقولكم، ولم ترتبوا على المعلوم نتيجته، بل حكمتكم من بعد ذلك الأوهام، وسيطرت. وتلك مشيئة الله تعالى (فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكمْ أَجْمَعِينَ) أي أن الله تعالى شاء لكم الضلالة لأنكم اخترتموها وسرتم في طريقها بإرادتكم المختارة، فوصلتم إلى الضلال.

وهم في قولهم معتذرين مبطلين: (. . . لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِن شيْءٍ) قد حسبوا أن مشيئة الله تستلزم رضاه، كما فهم بعض الفرق الإسلامية من بعد، ولذا قالوا ما قالوا، والحق أن المشيئة لَا تستلزم الرضا، إنما الأمر هو الذي يستلزم الرضا والنهي يستلزم الغضب، فالهداية هي التي تستلزم الرضا؛ ولذا قال تعالى: (فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكمْ أَجْمَعِينَ).

أي أن كل شيء في الوجود تحت سلطانه وإرادته، وهو لو أراد أن تكونوا جميعا على هدى لكان ذلك، ولكنتم جميعا في أعمالكم في رضوان الله تعالى.

وإنما أراد أن يكون منكم المهديون الدعاة إلى الحق، المؤمنون به، وأراد منكم من يكون على غير ذلك ليتم الابتلاء والاختبار، وهذا قوله تعالى: (ولَوْ شَاءَ اللَّه لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً). مهتدين كما قال تعالى: (ولَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>