للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا) هذا هو الأمر الأول الذي حرمه الله تعالى، وهو أعظم الأمور، وأقواها أثرا لأنه يتعلق بخالق الكون ومنشئ الوجود، وأصل الاعتقاد الديني، وهو أول الشريعة، وعليه اجتمعت كل الرسالات، كما قال تعالى: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ).

فالواحدانية لب الإيمان، والله تعالى يجعل كل السيئات قابلة للغفران إلا الشرك، ولذا يقول تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْركَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ).

وإن الوحدانية فيها تطهير للعقول من رجس الأوثان، والإذعان للإنسان والأوثان، وهي تربي العزة في المرء، فلا يخضع إلا للواحد الأحد، الفرد الصمد، وذلك من يعبد غير الله، ومن يخضع لغيره، وأنه إذا كانت الوحدانية برا بالخالق، فإن الإحسان إلى الوالدين برٌّ بمن جعلهم الله سببا ماديا في وجود الولد ولذا قال تعالى: (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا).

هذا هو الأمر الثاني وهو الوصية بالوالدين، والوصية بهما هي الإحسان إليهما، والإحسان مرتبة أعلى من العدل، إذ هو فوق العدل في الرحمة والرأفة، فهو عدل ورأفة ووفاء وبر، ولذلك كان الأمر بالإحسان بجوار الأمر بالعدل، كما قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٩٠).

وقال تعالى: (وقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا). وإن الأمر بالإحسان يتضمن النهي عن الإساءة، إذ هو نهي عن الإساءة، وأمر بفضل العاطفة والمواساة والقرب، وإحسان الصحبة.

وإن الله تعالى أمر بالإحسان إلى الوالدين مقترِنا بالنهي عن الشرك في كثير من الآيات الكريمة، فقال تعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>