للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَلا تَقْتُفوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ).

هذه هي الوصية الخامسة التي أوصى بها رب العالمين، وهي النهي عن قتل النفس التي حرم الله تعالى قتلها إلا بالحق، ويكون القتل بحق أي بسبب يوجب القتل.

وهذا النص يفيد تحريم قتل النفس أساسا، فهي على أصل المنع إلا أن يكون ثمة موجب لذلك، فإن ذلك يكون بحق لحماية النفوس العامة، وقد قال - تعالى - في قتل قابيل أخاه هابيل حسدا وبغيا: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا).

فالقتل حرام، إلا إذا كان ما يبرره فيكون بحق، ومن الحق الذي يوجب القتل، ويحل النفس، أن يقتل غيره أو أن يبغي، أو أن يحارب الله ورسوله وهم قطاع الطريق أو أهل الحرابة كما قال تعالى: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (٣٣) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٤).

وهكذا نجد الحق الذي يبرر قتل النفس يكون لحماية النفس ذاتها، أو يكون صاحبها قد أباحها.

وإن النهي عن قتل النفس عام إلا إذا وجد ما يبرره، لأن الله تعالى حرم قتلها، فقوله تعالى (الَّتي حَرَّمَ) قتلها فيه الصلة، وهي علة النهي، فقتلها منهى عنه، لأن الله تعالى حرمها، ولذا إذا أباح صاحبها نفسه بردة، أو محاربة للمسلمين، فإن الله تعالى لم يحرم قتلها، فلا نهي، لأنه مباح الدم.

وبذلك يتبين أن الله تعالى نهى عن قتل الذمي المعاهد، ومن دخل أرض المسلمين مستأمنا، لأن عهده عصم دمه، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>