للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من جاء بالحسنة أي العمل الذي هو حسن في ذاته واستحسنه الشرع الشريف، وحسنة: صفة موصوفها فعله حسنة في ذاتها، ورآها الشرع حسنة نافعة للناس فيها معاونة أو فيها طهارة وتزكية روح وإعانة محتاج وإغاثة ملهوف، وغير ذلك مما هو في أخلاق الناس أمر حسن، أو فيه نفع قصد به وجه الله تعالى، وجزاء الحسنة عشر أمثالها أي حسنات تساوي عشر أمثالها، أو هي عشر من هذه الحسنات، وفي قراءة (عشر أمثالها) (١) برفع عشر وتنوينها، أي مقدار عشر هي أمثال هذه الصدقة، ويظهر أن ذلك هو الحد الأدنى، وتعلو الحسنة بعلو القصد في النفس، وبعلو الموضوع بمقدار النفع والتعاون للإنسان، وقد ذكر سبحانه وتعالى أن جزاء الصدقة سبعمائة مثل، فقال تعالى، وهو أصدق القائلين: (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (٢٦١).

وذلك لأن الصدقة تتضاعف آثارها، وتكثر ثمراتها فهي تشبع نفسا جائعة، وتمنع تفككا واضطرابا، وتلقي أمنا وسلاما، وتزيل أحقادا وتوجد تعاونا مستمرا، والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه، وسماه الله تعالى قرضا لله تعالى، فقال (مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرضًا حَسَنًا. . .)، وإن من يقرض موجد الوجود يكون بدله أضعافا مضاعفة، كمن يعطي ذا مروءة عطاء، فإنه يزيد في بدله، فكيف بخالق الناس، ولله المثل الأعلى في السماوات والأرض.

وجزاء سيئة مثلها لَا يزيد عنها، وقد يغفرها سبحانه، ولذا قال تعالى: (وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا) وَحَذَ الله سبحانه وتعالى هنا الجزاء حدا لا يتجاوزه، فذكر أنه لَا يجزى إلا مثلها، فنفى وأثبت، وذلك قصد للجزاء لا يعدوه، أما ما ذكر من جزاء الحسنة فذكر أنه عشر أمثالها، ولم يذكره سبحانه وتعالى حتى لَا يعدوه بل هو حد أدنى يقبل الزيادة بحسب أحوال النفوس وبحسب موضوع الحسنة، وكلما كانت متصلة بالناس، لنفعهم تضاعف الجزاء كما جاء في آيات الصدقات، والتعبير في بعضها بأنها قرض لله سبحانه وتعالى، وهو


(١) (عشرٌ أمثالُها) هي قراءة يعقوب، وقرأ الباقون بالإضافة.

<<  <  ج: ص:  >  >>