للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد أكد القصر في العبادة على الله تعالى بقوله (وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ) وكانت هذه مقدمة منطقية مؤداها، أنه خالق كل شيء، وخالق كل شيء هو المستحق للعبادة وحده؛ لأنه مالك كل شيء.

وإن التعبير بقوله تعالى (أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا) في التعبير بـ (رب) عما أشرنا إليه من معنى التلازم بين الربوبية والعبودية فيه إشارة أخرى، وهو أنه لَا يعبد غيره، ولا يتوكل إلا عليه؛ لأن الربوبية تقتضي ألا يلجأ المؤمن إلا إليه سبحانه وتعالى، وقد قال تعالى في معنى ذلك، (قلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا. . .)، وقال تعالى: (. . . فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ. . .). وإن كل امرئٍ بما كسب رهين، يحمل تبعات أعماله، ولا يحمل وزر غيره ولذا قال تعالى: (وَلا تَكْسِبُ كُلّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى).

قالوا إن المشركين كانوا يريدون من المؤمنين أن يرجعوا إلى دينهم الذي تركوه، وقالوا نتحمل وزركم ولا تتحملون آثاما، فالله رد قولهم بهذا، وما نحسب أن ذلك وقع، إن كان قد وقع، فالآية عامة لحقيقة رئيسة، و (الكسب) الفعل الذي يصدر عن شخص مؤمن بما يفعل، قد كسبته نفسه، وقام بها، ومعنى قوله تعالى: (وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا) لَا تكسب أي نفس عملا إلا كانت مغبته ومآله عليها، تتحمل تبعته إن شرا، وتنال جزاءه إن كان خيرا وبذلك يكون النص محتملا الجزاء بنوعيه عقابا أو ثوابا.

ويصح أن الكسب هنا كسب الإثم، ويكون عليها بالعذاب، ويؤكد هذا المعنى قوله تعالى: (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)، أي لَا تحمل نفس وازرة وزر أخرى فكل امرئٍ بما كسب رهين، وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى.

وإن جزاء الآخرة ثوابا وعقابا مبني على ذلك، فلا يحاسب امرؤ بجريمة غيره، ولا يلقى عن شخص جرم ليلحق إلى غيره، والله تعالى علام الغيوب، وكل يحمل كتابه.

<<  <  ج: ص:  >  >>