للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإن عادلا، وذلك تحقيق مستمر للخلافة التي جعلها الله تعالى لآدم أبي البشر، إذ قال تعالى (وَإِذْ قَالَ رَبُكَ لِلْمَلائِكَة إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةَ قَالُوا أَتَجْعَلُ فيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ. . .).

وهنا بقوله سبحانه: (وَهُوَ الَّذِى جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ) أي صيركم أجيالا تخلف بعضها بعضا، وكل جيل خليفة في الأرض يفسد بعضه، ويصلح بعضه، ويباح الفساد مع الصلاح، وينازعه حتى لَا يعم (وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاس بعْضَهُم بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ).

ولذا قال تعالى (وَرَفَعَ بَعْضَكمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ).

الدرجات كما جاء بها التعبير في القربات هي الدرجات العالية التي تكون سابقات كريمة، والمعنى رفع منكم درجات بالهداية والسمو، والرفعة إذا أطاعوا اتجهوا إلى الخير، وإعلاء منازل الإنسانية، ولو كانوا هم الفقراء أو العبيد، أو المستضعفين في الأرض، ولا يلزم أن يكون من الأقوياء أو الأغنياء وقد اختبر كلا، فاختبر الأغنياء ليشكروا واختبر الفقراء ليصبروا.

وقد وردت آيات كثيرة في هذا التفاوت في الدرجة، مع ملاحظة أن تفاوت الدرجات ليست بالغنى، فليس الغنى درجة، دونها حال الفقر، إنما الدرجات الرفعة عند الله تعالى بالعمل الصالح، ولو كان فقيرا أو ضعيفا تزدريه الأعين كما كانت حال المؤمنين الذين آمنوا بنوح - عليه السلام - والذي أمره الله - سبحانه وتعالى - أن يقول: (وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (٣١).

إنما التفاوت في الدرجات بالقرب من الله والإيمان، ومثل هذا قوِله تعالِى: (وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (٣١) أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (٣٢) وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً

<<  <  ج: ص:  >  >>