للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإن من يسلك طريق السعادة يتجنب الاستجابة للشيطان، ويستيقظ لفِتَنِه، فلا يمكنها من أن تسيطر عليه، وتستمكن من منازعه، وحتى مكن للشيطان من أَن يصل إلى توجيه فكره، ونفسه، وإرادته، فقد اتخذه من دون الله وليا، وقد روي في الصحيحين " من كان من أهل السعادة فيُيَسَّر لعمل أهل السعادة، وأما من كان من أهل الشقاء فيُيَسَّر لعمل أهل الشقاوة " (١).

والآية الكريمة تقول: (فَرِيقًا هَدَى) ولم يذكر الفاعل وهو الله تعالى، تكرما من الله تعالى، يشير إلى أن الهداية ابتداء باتجاه من الذي هداه الله تعالى، كما أن أهل الضلالة قد حقت وثبتت عليه الضلالة بعمل ممن ضل وغوى، وقال سبحانه في أهل الغواية: (اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ اللَّهِ) أي أنهم فتحوا قلوبهم وسخروا عقولهم وإراداتهم للشيطان، فكان لهم وليا من دون الله؛ لأنهم هجروا فطرتهم، وهجروا أوامر الله تعالى ونواهيه، ومعنى (مِن دونِ اللَّهِ) تعالى، أي من غير إطاعة الله.

ولقد قال تعالى في الآية السابقة: (إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ)، وفي هذه الآية يقرر الله تعالى أن أهل الضلالة اتخذوا الشياطين أولياء، فالولاية ئبتت من الجانبين: الشياطين أرادوها للإغواء، وأهل الضلالة فُتِنوا بالإغواء، فاتخذوهم أولياء، وإنه لاتخاذهم الشياطين أولياء كان منهم ضلال فكري، بهذا الاتخاذ؛ ولذا قال تعالى: (وَيَحْسَبُونَ أَنَّهم مُّهْتَدُونَ) الضمير يعود على فريق الضلالة الذين حقت عليهم و (وَيَحْسَبُونَ) معناها يظنون متوهمين أنهم مهتدون، أي أنهم بسبب عملهم الإيجابي في اتخاذهم الشيطان أولياء من دون الله تعالى انقلبت أفهامهم، وأركس إدراكهم، فزين لهم سوء أعمالهم فحسبوه حسنا، فظنوا بأوهامهم أنهم مهتدون، وهذا شر أنواع الضلال، بأن يسير المرء في طريق الباطل، وهو يحسب أنه الحق والهداية.


(١) متفق عليه، وقد سبق تخريجه من رواية علي رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>