للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَمَنْ كَفَرَ فَلَا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (٢٣) نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ (٢٤)، وهذا توجيه قول الذين فسروا الكتاب بما كتب في الدنيا من رزق، وما كتب لهم من أجل. ولكن يرد على هذا التعبير بـ (يَنَالُهُمْ) لَا بـ " ينالون "، فالرزق والمتع إذا كانت هي المكتوبة ينالونها، وهذا يخالف التعبير بـ " ينالهم " إنما نيلهم بأمر يكون عقابا لهم لَا متعة ينالونها ويقترفونها.

ولذا نرى أن الكتاب الذي هو كتب لهم في الآخرة من حساب وعقاب، إذ يجدون كتابهم قد سجلت فيه أعمالهم وينالهم هذا النصيب من الكتاب الذي سجل ما فعلوا، والتعبير بـ " نصيبهم " من الكتاب تعبير دقيق يصور عدل الله تعالى فنصيبهم من العذاب هو نصيبهم في أعمالهم، فجزاؤهم مشتق من أعمالهم، فكل نفس تجزى ما كسبت أي جزاؤها من كسبها، فلولا ما كسبت ما عذبت، فعقابهم جزاء وفاق لعملهم.

وإن ذلك الكتاب الذي سجلت فيه أعمالهم يأخذهم بنصيبهم منه من وقت قبض أرواحهم، ولذا قال تعالى: (حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يتوفَوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ).

" حتي " هنا على قول من يقول: إن النصيب هو الأرزاق والمتع والآجال تكون بمعنى " إلى " أو للغاية، أي أنهم يتمتعون بما كتب لهم حتى تجيء إليهم رسل الموت، الملك عزرائيل ومن معه فيما كلفه الله تعالى إياه، وكان جمع " الرسل " لهذا ومن قال - وهو ما نختار - أن الكتاب ما كتب عليهم من أعمال تنالهم بالعذاب عليها - تكون " حتي " تفريعية أي مبينة تفريعًا العذاب من أول نزولها بإحصائها عليهم من أول لقائهم في الآخرة.

يقول لهم رسل الله تعالى التي تقبفأرواحهم: (أَيْنَ مَا كنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ) أي تدعون دعاء عباده تشركون بالله بهم، والاستفهمام هنا للتعجيز والتوبيخ والتبكيت، وتذكيرهم بسوء ما كانوا في دنياهم يفعلون.

<<  <  ج: ص:  >  >>