ويقول تعالى:(فَصَّلْنَاهُ) بيناه ووضحناه، وأتينا بفصوله كاملة على علم بل اشتمل عليه من معرفة بالشرائع وأخبار النبيين، وتنبيه إلى أن يكون القرآن وآياته، للدلالة على وحدانية الله تعالى لَا شريك له، وذلك كقوله تعالى:(. . . كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (١) أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (٢)، ولقد قال تعالى في آية أخرى:(. . . أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ. . .).
وقد وصفه - سبحانه وتعالى - بوصفين جليلين:
أحدهما - أنه (هُدًى)؛ وذلك لأنه معجزة هادية إلى الحق وصدق الرسول، وكل ما يشتمل هداية ببيان الشرائع والأحكام، وما فيه مصلحة الناس في معادهم ومعاشهم، وما فيه تنظيم جمعهم، والسير بهم في سبيل الخير.
وثانيهما - أنه (رَحْمَةً) لما فيه من أحكام كلها نفع وخير للمجتمع وفيها العدالة، وهي الرحمة الكاملة بالمجتمع، وفيه الأمانة وفيه شرعية القتال، وفيه رحمة ودفع للفساد، (. . . وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (٢٥١).
وإن رحمة الله وهدايته وعلمه لَا تؤتي أكلها إلا في قلوب مؤمنة غير جافية فهي التي ينبت فيها زرع الخير ويؤتي أكله؛ ولذا قال تعالى:(لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ).
أي لناس من شأنهم الإيمان بالحق إذا جاءهم، ومن شأنهم الإذعان للحقيقة، يؤمنون بها إذا عوفوها، وهناك قلوب جافية طمس عليها، هي غلف لا يدخلها النور، ولا تصل إليها الهداية، وهذه ليس من شأنها أن تؤمن، ولو جاءتها الأدلة واحد بعد الآخر؛ لأن عليها غشاوة تمنع وصول النور، فالذين يجدون الرحمة والهداية في القرآن هم الذين من شأنهم الإيمان بالحق إذا جاءهم؛ ولذا عبر بالمضارع الدال على الاستمرار، والله تعالى أعلم.