للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

على ناقته، فإذا مالت أخذ بزمامها بيد، واستمرت يده الثانية الكريمة ممتدة بالدعاء (١).

ويختم سبحانه الآية الكريمة بقوله: (إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ).

إنه - سبحانه وتعالى - لَا يحب الذين يعتدون، أي يتجاوزون الحدود المحدودة عليهم، فيعتدون على غيرهم، أو يتجاوزون الأمور المفروضة عليهم، ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه، فتعدى الحدود أمر لَا يحبه الله تعالى، وقد يكون حراما، كالاعتداء على حق غيره، وقد ذكروا أن ذكر الاعتداء عقب طلب الدعاء يدل أن الاعتداء قد يكون في الدعاء.

والاعتداء في الدعاء كأن يقضي وقته كله في دعاء، ولا يقوم بواجب الحياة، كأولئك الذين ينقطعون للعبادة ويتركون أمر الحياة ولا يدبرون أمرها، فذلك اعتداء في الدعاء، وقد جىء برجل للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: هذا عابدنا، فقال - صلى الله عليه وسلم -: ومن يؤكله، قالوا: أخوه يؤكله، فقال - صلى الله عليه وسلم -: أخوه خير منه. وكأولئك الذين ينقطعون في الزوايا، أو ما يسمونه الخانقاه، بحسبان أنهم يدعون الله تعالى ويعبدونه، فإن ذلك اعتداء في الدعاء وتجاوز لحد المطلوب، وقد روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " سيكون قوم يعتدون في الدعاء " (٢). ولعله سبحانه ينبئ بهؤلاء.

ولقد ذكر القرطبي وجوها في الاعتداء في الدعاء منها:

الجهر الكثير والصياح، ومنها أن يدعو الإنسان في أن تكون له منزلة نبي أو يدعو في محال، ونحو هذا من الشطط، ومنها أن يدعو طالبا معصية، ومنها أن يدعو ما ليس في الكتاب والسنة.


(١) رواه النسائي: مناسك الحج - رفع اليدين بالدعاء في عرفة (٣٠١١).
(٢) رواه أحمد: مسند العشرة - مسند أبي إسحاق سعد بن أبي وقاص (١٤٨٦)، وأبو داود: الصلاة - الدعاء (١٤٨٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>