للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بل منه ومن حاشيته فهم مطبوعون بطابعه، يزينون له ما يفعل، ويحسنونه ويؤيدونه، ويشجعونه، ولولا أنهم حوله ما طغى وبغى، أو ما كان طغيانه بالمقدار الذي وصل أو يصل إليه كل طاغية، ولقد رأينا بعض الطواغيت في هذا الزمان يتخذ حاشية تعينه على الظلم، بل تطغى عليه وهو لَا يشعر، رأينا ذلك رأي العيان؛ ولذا خص الله تعالى ملأ فرعون بالذكر، وسنجد من سياق القصص الحكيم في أمر فرعون أنه ملأه كان يعاونه بالقول والفعل، ويسكت عن جرائمه من اعتراض دائما.

وقد نسب الله تعالى الظلم إليهم مع فرعون ولم يفرده بالظلم، فقال: (فَظَلَمُوا بِهَا) فلم يكن الظلم من فرعون وحده بل كان منه ومن هذا الملأ والشعب مأكول فيهما ومأسور بظلمهما.

والظلم يشمل ظلم الرعية، ويشمل الظلم في العقيدة بالشرك، وإن الشرك لظلم عظيم، والظلم يؤدي الفساد، فالشرك في العقيدة إفساد للعقل والفكر والنفس بالضلال، والضلال أبلغ أنواع الشرك، والشرك ينشأ من الأوهام ويؤدي إلى كثرة الأوهام والضلال، ألم تر أنهم كانوا يعبدون العجل، والظلم يؤدي إلى فساد الرعية بالخنوع والطاعة للظالم، والرضا بالهون، وفقد الحرية والاندفاع في الظلم، حتى ساغ له أن يقول لهم: مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى.

ولذا قال تعالى بعد أن ذكر الظلم: (فَانظُرْ كيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) انظر يا محمد مآل الذين أفسدوا في الأرض بشركهم وإرهاقهم للرعية، واستبدادهم إني عاقبتهم أن أغرقوا في اليم، ولم يُجْد فرعون وملأه أن قالوا: آمنا برب هارون وموسى.

فلننظر إلى ما كان من فرعون أكبر طاغية في عصره، ويحاكيه الطغاة في كل عصر، وقد كان فرعون جاهل في أرض مصر، وسام أهلها سوء العذاب، لجنونه وحمقه وجهله، حتى أرداها فيما لم تترد فيه شيء أي عصر من عصورها.

<<  <  ج: ص:  >  >>