والجراد، وهو الطير الصغير المعروف الذي يأكل الزرع، ويفسده، وخصوصا ما كان قوتا، فإنه يسلط على القمح، والشعير، والأرز، ويتعدى طعام الإنسان إلى طعام الحيوان.
وبعد البلاء في زرعهم وحرثهم ونسلهم كان البلاء في أجسامهم، فسلّط عليهم القمل، وهي دويبة صغيرة، وقال ابن عباس: القمل السوس، وهو يصيب الزرع المخزون لأكلهم فيصيبهم، وقيل: إنه القمل المعروف الذي هو داء في الأجسام ومرض من الأمراض.
والضفادع جمع ضفدع، وهي الحيوان المعروف، كثرت وكثر ضجيجها حتى أزعجتهم، وأفسدت زرعهم وملأت أرضهم فكانت الحياة مع هذه الكثرة حياة شاقة شديدة لَا تحتمل.
والدم، قالوا: إن النيل صار ماؤه دما، ومات السمك فيه، فأصبح لا يسقي، بل يميت، وإنا لَا نعترض على ذلك التفسير، وقد روي عن بعض الصحابة، ولم نر فيه حديثا صحيحا، يذعن المفسر لمثله، ولكن صريح اللفظ أنه الدم، ولعل الله تعالى اختبرهم بذلك وقتا وإن لم يكن طويلا، ولكنه أراهم آياته مفصلات، ويصح تفسير الدم بمرض أصيبوا به كرعاف ونزيف وضغط.
ولقد قال الكثرة من المفسرين: إن الله تعالى اختبرهم أولا بالطوفان الذي خرب ديارهم، وأفسد زرعهم فدعوا الله أن يكشف ذلك عنهم، ودعا لهم موسى ووعدوه بأن يؤمنوا إذا كشف عنهم الضر، فكشف فلم يؤمنوا، فأصيبوا بالجراد فطلبوا أن يدعوا لهم فاذا كشف عنهم آمنوا، فكشف فلم يؤمنوا، ثم اختبرهم بالضفادع كذلك، وبالدم كذلك ولم يؤمنوا فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين.
والاستكبار عن الحق سبيل الضلال والوقوع في الذل، وقوله تعالى:(وَكانُوا قَوْمًا مّجْرِمِينَ) فيه تسجيل الإجرام والعتو عليهم، وقد أكد - سبحانه وتعالى - إجرامهم واستمرارهم على الإجرام، وسيطرة الأخلاق الفرعونية عليهم، وإنها فساد كلها،