قال تعالى:(لَن تَرَانِي) وقد علمت قول الناس في ذلك، ثم كان الاستدراك تلطف لموسى، وتقريب له لمعنى نفي الاستطاعة، فقال:(وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي)، والجبل أقوى وأشد وأضخم من موسى فإن استقر حين تجلى الله وبزوغ النور الإلهي فسوف تراني، ولكنه إن لم يستقر فإنك لن تراني.
(فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا) أي فلما ظهر نور الله على الجبل متجليا له (جَعَلَهُ دَكًّا)، أي مستويا بالأرض، وكان لذلك ما يثير الفزع في نفس موسى (وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا)، كأنما أصابته صاعقة، وغشى، (فَلَمَّا أَفَاقَ) أحسَّ بأنه طلب ما ليس له، وما هو فوق طاقته البشرية، وما لَا يتحقق في الدنيا - استغفر ربه، وسبحه، فقال:(سُبْحَانَكَ تُبْتُ إلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ).
تاب موسى من هذا الطلب الذي تبين له أن الله لَا يجيبه في الدنيا، وما كان ذلك خطيئة ارتكبها، ولكنه خطأ لَا ذنب، ولكن النفس المؤمنة التي تحس تستكثر خطأها، وتستقل صوابها، أحس أنه ذنب يتاب منه، وما هو بذنب، وكذلك استتابة المرسلين تكون من أخطاء تغتفر، بل لَا حساب عليها، ولكن يعظم أمرها في نفوسهم فيتوبون.
وأكد - عليه السلام - استغفاره، وكمال إيمانه فقال:(وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ)، أي ببعدك عن الشبيه، وأنك منزه عن كل نقص، وأول المؤمنين بأنك لَا تُرَى في هذه الدنيا.
وقد استجاب الله تعالى لاستغفاره وتوبته النصوح وقال تعالى:(قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (١٤٤)