واضحة الدلالة بينة الهداية (لا يُؤْمِنُوا بِهَا) لَا يصدقون بها، لأنهم عميت عن الحق أبصارهم، وأصبحوا في صمم عنه، فإن القلب إذا أعمي كره الحق، وغفل عن آياته، ومثل ذلك آل فرعون، جاءتهم العصا فكفروا بها، وجاءت يد موسى بيضاء تلمح بالنور، فأعرضوا، وأصابهم الله بالعذاب، وأصاب أنفسهم وأموالهم وزروعهم، ورأوا آيات فيهم رأي العين، وخضعوا بالحس لله، ولكن ما زالت قلوبهم كافرة فاتجهوا إلى الله رب موسى وربهم، وطلبوا إلى موسى أن يدعو الله ليكشف عنهم، فلما كشف ذهب نور الإيمان، وبقي ما استقر في نفوسهم بسبب الكفر.
وقال تعالى في تصوير نزوعهم إلى الباطل:(وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا) إن الرشد يحتاج إلى عزيمة وقوة نفس، وسيطرة على الشهوات، وحمل على الإيثار، ومنع للأثرة، والذين يستكبرون ويطغون فيهم أثره، وفيهم شهوات مستحكمة، وهو غالب، وكما قال محمد خاتم النبيين - صلى الله عليه وسلم -: " حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات ". فلهذا إذا رأى المكذبون سبيل الرشد الذي يعطي لله وللناس حقوقهم فإنهم لَا يتخذونه سبيلا لسلوكهم، وطريق حياتهم لأنه يحتاج إلى بصيرة مدركة، وعزيمة صادقة، وإرادة عاقلة. (وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا)، أي إن يروا سبيل الضلال وهو الغي يتخذوه مسلكا لهم؛ لأنه سبيل الأثرة والهوى والشهوات والطغيان فهو يتفق مع نزعة التكذيب لآيات الله تعالى، والغفلة عن هدايتها، والاستكبار الذي أعماهم عن التأمل فيها، وتعرف أسرار الله في مكنونها.
ولقد ذكر الله تعالى سبب ذلك الضلال الذي يحولهم من الرشد إلى الغي، فقال سبحانه:(ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ).