للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الثانية - في قوله تعالى: (قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ) نادى الله بعنوان الربوبية أنه لوشاء أهلكهم وأهلك موسى معهم، وذكر نفسه معهم؛ لأن السبب، وهو طلب رؤية الله تعالى، قد اشترك فيه موسى، وتلك مساواة منصفة من كليم الله تعالى موسى مع غيره.

الثالثة - أن الله تعالى هدى موسى لأن يستنكر بنفسه طلبه الرؤية، وظنه أن ذلك سفه أو تسرع، ولكنه ليس بذنب مقصود، وإنما دقة الحس بالإيمان جعل يظن أن ذلك سفه يدخله في جملة السفهاء؛ ولذا قال هذا، وقال من قبل: (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي).

الرابعة - من الإشارات البيانية، قوله تعالى: (لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ)، أي من وقت الميقات وأنا معهم ثم قال موسى: (إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ)، الفتنة: الاختبار، وهي مضافة إلى الله تعالى، ومعناها إنك تعاملنا معاملة من يختبرنا في أنفسنا، تهدي بها من تشاء ممن يعتبرون بالعبر، ويؤمنون بقدرتك، ويطيعونك فيما تأمر به وتنهى عنه، ويضل في هذا الاختبار الحكيم، فلا يدرك عظمتك وجلالك، فيضل عن الطريق (أَنتَ وَلِيُّنَا) أي أنت ناصرنا ومعزنا، ومتولي أمورنا، والقريب منا العفو الغفور.

(فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ).

الفاء هنا للإفصاح عن شرط مقدر، أي إذا كنت ولينا وناصرنا، والقريب الداني منا برحمتك وعفرك، فاغفر لنا ذنوبنا وارحمنا وأنت خير الغافرين.

فإذا كان منا مخالفة فانت خير الغافرين، و (خَيْرُ) هنا للتفضيل، ولكنه في غير بابه، والمعنى أنت غفار بقدر لَا يتصور أن يكون فوقه قدرة، ولا يفاضل بينه وبين غيره.

* * *

<<  <  ج: ص:  >  >>