للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الاستفهام للإنكار بمعنى النفي والتو بيخ، وقد دخل الاستفهام على المنفي بـ " لم " ونفي النفي إثبات، فالمعنى قد أخذ عليهم ميثاق الكتاب، وهذه الصيغة فيها تأكيد لأخذ الميثاق بإقرارهم كأنهم سئلوا ذلك، وأجابوا بالإيجاب، ولأنه يتضمن استنكار وقوعهم في مخالفة الكتاب وترك الأخذ بميثاقه، أي أحكامه المؤكدة الموثقة عليهم التي توجب الطاعة (أَن لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ) أي فحصوه وعلموه وأدركوا مغازيه وما يرمي إليه، ويدعوهم الله فيه، فما فعلوا ذلك عن جهالة بل قد قدمت لهم أسباب العلم كاملة، وإذا كانوا قد أهملوا الأخذ بها بعد بينة تجعلهم يحملون التبعة كاملة غير منقوصة.

ويلاحظ هنا بعض عبارات تشير إلى حقائق ثابتة:

أولاها - أن الميثاق الذي أخذ عليهم ألا يقولوا على الله إلا الحق مع أن ما فسقوا به عن أمر ربهم أمور عملية، وخلاصتها أنهم يأخذون بالعرض الذي هو أدنى وهو عمل لَا قول، ونقول في الإجابة عن ذلك:

أولا - أنه ساد فيهم الكذب على الله والادعاء عليه كقولهم: (. . . نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبًاؤُهُ. . .)، وذلك بلا ريب غير الحق، قالوا على الله تعالى كذبا وافتراء عليه، فخالفوا الميثاق الذي أخذ عليهم بألا يقولوا على الله إلا الحق.

وثانيا - أن فعل الباطل يسبقه قول باطل يحسنه، فالنفس المنحرفة يبتدئ انحرافها في الفكر، فيدفع إلى القول الباطل يزين الفعل الباطل، والذين يغيرون الشرائع يبتدئون بتزيين مخالفتها وتسهيلها فيقولون أولا على الله غير الحق، ثم يفعلون الباطل المنهي عنه، فالقول ذريعة العمل.

ثانيها - أن العصاة دائما يغرهم الغرور، فيغلب عليهم الطمع من غير عمل على الخوف الذي يدفع إلى العمل، فهؤلاء بنو إسرائيل طمعوا في الله دائما حاسبين أنه لَا يعذبهم وأهملوا أمره ونهيه، وكانوا مثلا للفاسدين، فكان من التربية للنفس المؤمنة أن تغلب الخوف من العذاب، على رجاء الثواب.

<<  <  ج: ص:  >  >>