وأقول مع الاتحاد في جملة المعنى أظن أن مَسَّكَ به فيه قوة في التمسك، ليست في مَسَكَ به، بل أكثر من استمسك، لأنها تتضمن الأخذ به، والعمل بما فيه والإذعان لأحكامه من غير إهمال ولا نسيان، ودعوة إلى مسكه والعمل به من دون غيره، واستنكار لمن لَا يمسك به.
ومعنى التمسيك به، الإذعان لأحكامه، والدعوة لهذا الإذعان، والعمل به مخلصين غير متحايلين لتركه، وإلقاء المعاذير عند ترك العمل به.
والتمسيك به كما ذكرنا يتضمن معنى الدعوة إلى الاستمساك، وبالأولى يستمسك الممسك فيعتقد، ويؤمن ويدعو.
وقد ذكر أعظم أعمال الطاعة بعد التمسك بالكتاب، فقال:(وَأَقَامُوا الصَّلاةَ) أي أتوا بها مقومة على وجهها الأكمل، وتكون الصلاة على الوجه الأكمل إذا كان ذكر الله، واستشعار خشيته في كل ركن من أركانها، واختصها الله تعالى بالذكر، لأنها ركن الدين، ولبه، ولا دين من غير صلاة كما ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولأنها سبيل للابتعاد عن المنكرات التي كان بنو إسرائيل يفعلونها، وقد قال تعالى في القرآن كتابه الخالد الباقي إلى يوم القيامة:(. . . إِنَّ الصَّلاةَ تَنهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ. . .).
وقد ذكر الله تعالى جزاء هؤلاء الذين يمسكون بالكتاب، فقال:(إِنَّا لا نضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ) والمعنى لَا نضيع أجرهم.
ولكن هنا إشارات بيانية لَا بد من التنبيه إليها:
الأولى - أن الله تعالى ذكر الجزاء بطريق الاقتضاء، فوصف ذاته العلية بأنه لا يضيع أجر المصلحين، وقد أصلحوا فاستحقوا أجره الذي لَا يضيعه أبدا، فهو إعطاء مع ذكر داعيه.
الثانية - أنه ذكر - سبحانه - ما يليق بذاته وهو أنه لَا يضيع أجر من أحسن عملا.