هؤلاء ما دام لم ينتفعوا بهذه المواهب، يصيرون كالأنعام؛ لأن ما أعطاهم سبحانه من مواهب جعلوه هملا فكأنهم لم يعطوه كالأنعام، ويقول سبحانه:(بَلْ هُمْ أَضَلُّ) لأن من أُعطي شيئا ولم ينتفع به أضل ممن لم يُعطَ شيئا.
هذا هو الحكم الأول عليهم، والحكم الثاني هو أنهم غافلون عن الأمور التي يجب عليهم إدراكها، فقال تعالى:(أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) عما يجب التنبه إليه ليقوموا بواجبهم وليستعملوا ما وهبهم تعالى من هبات مميزة مدركة، وأكد الله - سبحانه وتعالى - الحكم بغفلتهم بالجملة الاسمية، وبضمير الفصل، وبقصر الغفلة عليهم بتعريف الطرفين، أي أنه لَا غافل غيرهم، لأنهم غفلوا عن أهم ما يجب أن ينتبهوا له.
ولقد ذكر الله سبحانه وتعالى في عدة آيات معاني هذه الآية فيما يناسبها فقال تعالى:(. . . وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصَارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُم مِّن شَيْء إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ. . .).
وقد شبههم سبحانه بالأنعام فقال عز من قائل:(وَمَثَل الَّذِينَ كفَرُوا كمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً. . .)، وهكذا كل من يعطل المواهب التي وهبها الله تعالى له.
وإن المشركين كانوا يعبدون عْير الله تعالى، وينكرون صفات الله تعالى التي تجعله وحده المستحق للعبادة، ولذا قال تعالى: