شبابه، حتى إذا بلغ أشده وبلغ الأربعين قالوا فيه ما قالوا، وإن نتيجة التفكر والموازنة أن ينتهوا إلى الحكم بأنه (مَا بِصَاحِبِهِم مِّن جِنَّةٍ). وعبر الله تعالى بقوله:(مَا بِصَاحِبِهِم) من فيه إشارة إلى مصاحبته أربعين سنة في صحبة كريمة عاقلة أمينة يرجعون إليه في أمورهم المهمة ويشركهم في فعل الطيبات أنَّى اتجهوا إليها. وإن ما دفعكم إلى هذا الوصف الذي ينافي ماضيه وحاضره إنما هو أنه جاء بالحق بشيرا ونذيرا وهاديا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا؛ ولذا قال تعالى:(إِنْ هوَ إِلَّا نَذِيرٌ مبِينٌ) أي ذاكر لكم عاقبة الكفر، وهو العذاب الشديد، مبين لكم ذلك وموضحه.
والاستفهام هنا إنكاري للتوبيخ؛ لأنهم اندفعوا في رميه بالجنون من غير أن يتفكروا.
وقد وردت آيات كثيرة في هذا المعنى فقد قال تعالى:(قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (٤٦).
فالله تعالى في هذه الآية يدعوهم إلى أن يتفكروا مجتمعين وفرادى، ومتذاكرين وستنتهون إلى أنه (مَا بِصَاحِبِهِم مِّن جِنَّةٍ)، إثه الكامل فيكم صبيًّا وشابا ورجلا مكتملا، ولكنه العناد قد جركم إلى إنكار ما هو ثابت ثبوتا لَا مجال للريب فيه، وبعد أن دعاهم الله تعالى إلى التفكير في أمر النبي الصادق الأمين، دعاهم إلى النظر في الكون ليؤمنوا بالله وحده، فقال تعالى: