للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عباس بأنه (كأن) بينك وبينها مودة تتقاضاك أن تعرف الكثير عنها، فإنه يقال في العربية إن فلانا حَفِيٌّ بفلان أي بينه وبينه مودة تقتضي أن يعرف عنه الكثير مما عنده، والمؤدى واحد، وهو أن سؤال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنهم يحسبون أنه عالم به أو (حَفِيٌّ) وَمَعْنيٌّ بأن يعرف عنها ما يُعرف.

وذكر السؤال عنها مرة أخرى لاختلاف متعلق السؤال، فالسؤال في الأول لمعرفة ميقاتها، وتكرار ذكر السؤال لبيان ظنهم بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - حَفِيٌّ بمعرفة شيء عنها.

وهكذا التكرار في القرآن لَا يعد تكرارا؛ لأن ذكر اللفظ المكرر يكون ذكره لمقصد آخر، غير المقصد، وقد أشرنا إلى ذلك عند الكلام في قصص القرآن الكريم.

ولقد قال الزمخشري: فإن قلت لم كرر (يَسْألُونَكَ إنما علمها عند الله)؟ قلت للتأكيد، ولما جاء به من زيادة (كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا) وعلى هذا تكرار العلماء الحذاق في كتبهم لَا يخلون المكرر من فائدة زائدة.

ولقدْ أمر الله تعالى نبيه بأن يقول لهم ما أمره به أولا، وهو: (إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي) وذلك لتأكيد اختصاص علم الله تعالى بها، كما قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ. . .).

وإنما جهَّل الله تعالى العلم بالساعة لكي يقدم الناس على أعمالهم جاهدين مثمرين مستغلين الأرض مخرجين خيراتها، ولو علموا زمانها، لقلت همتهم، وضعفت عن الإنتاج والإثمار عزيمتهم، والإسلام لَا يريد أن يفتُروا في أعمال الحياة والعبادة وإن يتموا أعمالهم، ولا يبطلوها، ولقد ورد أنه إذا جاءت، والرجل

<<  <  ج: ص:  >  >>