للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الخوف من أن يضر ذلك بالأم، والطمع في أن يكون منهما ولد سويّ الخلق والتكوين يفرح به ويسر، ولا ملجأ يلجأ إليه إلا الله، ولا مأمن إلا عنده، فلما ذهب الخوف، وتحقق الطمع تركا الضراعة وراءهم ظهريا، وبدت سوءات الشرك في نفوسهم، وسيطر الجحود عليهم، والكفر والبهتان حكما أمورهما، وقد صور الله تعالى هذا المعنى السامي بقوله: (فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا) كان يقرّان بأنه المعطي وحده، فلما أعطاهما ولدا سليم الجسم سوي البنية جعلتم ثمة شريكا في خلقه وتكوينه، فزعمتم أن ما تدعون من دونه له دخل في تكوينه وخلقه فزعمتموهم بأوهامكم أنهم شركاء لله في الخلق والتكوين.

وهكذا نفس من يضل عن سبيل الله، ويسير في طريق الغواية، وتستولي عليه الوساوس، إذا كان في شديدة يستولي عليه الخوف والذعر فيستقيم تفكيره، فإن اطمأن وذهب عنه الخوف لَا يهتدي بل يضل.

(فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْركُونَ)، أي تسامي قدر الله تعالى، وتعالى علوه عما يشركون. " ما " هنا إما مصدرية، والمعنى تعالى قدره عن إشراكهم، وطغيان الأوهام على تفوسهم، أو " ما " موصولة بمعنى " الذي "، ويكون المعنى: تعالى الله بذاته العلية الذي لَا يماثله شيء في الأرض ولا في السماء أن يكون له مماثل من هذه الأوثان التي لَا تضر ولا تنفع.

وإن هذه قصة تصور حال الإنسان في أمور ثلاثة:

أولا - أنه وزوجه من جنس واحد مؤتلف متجانس فكلاهما متمم لصاحبه، وكلاهما من خلق واحد، وتكوين واحد، وخلقا متقابلين متكاملين.

وثانيا - تصور أنه حال الخوف والطمع لَا يلجأ إلا إلى الله، فهو الذي يشبع حاجته، وهو الذي يرجى وحده في الشدة.

وثالثا - في أنه إذا ذهب الخوف غلبته الأوهام، وسيطرت عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>