للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والمتحرفة المراد بها المائلة في القتال غير تاركة، ولكنها آخذه بضرب من ضروب الحيلة والخديعة، وقد ضرب لذلك الحافظ ابن كثير مثلا، فقال: " ذلك الذي يظهر أنه يميل إلى الفرار حتى إذا اطمأن محاربه انقض إليه غرة وقتله، والمتحيز إلى فئة الذي يلجأ إلى فئة يحسبها تحتاج إلى قوة فينضم إليها مقويا صفوفها ".

وهاتان الطائفتان لَا تعتبران فارتين ولا موليتين الأدبار، ولذا نقرر أن الاستثناء منقطع، بمعنى لكن، أي لكن التحرف أو المتحيز لطائفة لَا يعدان مولين الأدبار.

وقد يكون الفرار أمراً ضروريا إذا كان العدو أغلب، ولكن الفرار لَا يكون بتولية الأدبار، بل يكون بتدبير الانسحاب ويكون بالتراجع، من غير أن يولوا ظهورهم للأعداء، يضربون في أدبارهم، كما فعل القائد العظيم خالد بن الوليد هذا عندما آل إليه أمر القيادة بعد قتل زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله ابن رواحة، فقد رأى أن أمامه جيشا يعد بمئات الألوف، ومعه ثلاثة ألوف، فقد أخذ يتراجع، ويوهم الأعداء أنه قد جاءه مدد حتى عاد إلى المدينة وسماهم بعض المجاهدين فرَّارين، وسماهم النبي - صلى الله عليه وسلم - " العكارين " (١) أي الكرارين.

وإن الفرار في الزحف من أكبر الكبائر، فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: " اجتنبوا السبع الموبقات، قيل يا رسول الله وما هن؛ قال: الشرك بالله والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات " (٢).


(١) رواه الترمذي: الجهاد - ما جاء في الفرار من الزحف (١٧١٦). كما رواه أبو داود في سننه: الجهاد - التولي يوم الزحف (٢٦٤٧). وبنحوه رواه أحمد: مسند المكثرين - مسند عبد الله بن عمر ابن الخطاب رضي الله عنهما (٥٣٦١).
(٢) متفق عليه؛ رواه البخاري: الوصايا - قول الله تعالى: (اٍنً الَّذِينَ يَأكلونَ أَمْوَالَ الْيَتَامى) النساء، (٢٧٦٧)، ومسلم: الإيمان - بيان الكبائر وأكبرها (٨٩). عن أبي هريرة رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>