للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

صار مفعولا، ولقد قال كعب بن مالك: إنما خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون يريدون عير قريش حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد.

أغراهم الله تعالى بالعير ليخرجوا، وأراد المشركون أن يحموا عيرهم فالتقوا وتحقق ما أراد الله. ثم قال تعالى:

(لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ) (اللام) هنا لام العاقبة، والمعنى لتكون نتيجة ذلك اللقاء أن يهلك الذين هلكوا عن بينة وحجة قائمة، وهو أن الله تعالى ناصر المؤمنين وغالب الكافرين، وأن الله تعالى مؤيد جنده، ويستشرف المستشرفون إلى نصر الله، (وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ) أي حجة ونور وهداية أن يكون الحق غالبا، وأن يظهر الله دينه، ولو كره المشركون.

ويصح أن يكون الهلاك والحياة مجازييَّن، ويراد من الهلاك الكفر، ومن الحياة الإيمان، ويكون المعنى وليكفر من يكفر عن بينة ظاهرة، وهي بيان أن الله ناصر المؤمنين ويحيا المؤمنون بالإيمان عن بينة برجاء النصر.

وللزمخشري في هذا كلام قيم ننقله، قال رضي الله تعالى عنه: (فإن قلت: ما فائدة هذا التوقيت وذكر مراكز الفريقين وإن العير كان أسفل منهم؟ قلت: الفائدة فيه الإخبار عن الحال الدالة على قوة شأن العدو وشوكته، وتكامل عدته تمهد أسباب الغلبة له وضعف شأن المسلمين، والثبات في أمرهم، وأن غلبتهم في مثل هذه ليست إلا صنعا من الله سبحانه، ودليلا على أن ذلك أمر لم يتيسر إلا بحوله وقوته وباهر قدرته، وذلك أن العدوة القصوى التي كان المشركون فيها كان فيها الماء، وكانت أرضا لَا بأس بها، ولا ماء بالعدوة الدنيا وهي خَبَارٌ (أي لينة مسترخية) تسوخ فيها الأرجل ولا يمشي فيها إلا بتعب ومشقة، وكانت العير وراء ظهور العدو مع كثرة عددهم، فكانت الحماية دونها تضاعف حميتهم

<<  <  ج: ص:  >  >>