للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الثأر، ولأجل إلقاء السطوة والسلطان، وهو أعنف من المال، وإذا كان الله تعالى قد استقبل القتال في بدر بعدم الفرار فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (١٥) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٦).

فإنه سبحانه يستقبل القتال الجديد، بطلب الثبات، والذكر لله، والطاعة لله ولرسوله، ومنعِ التنازع، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا).

أمران جليلان عند اللقاء، وهما الثبات، وذكر الله. واللقاء لم يبين فيه من الذي ابتدأ باللقاء، وظاهر القول أن المشركين هم الذين جاءوا إلى ديارهم والتقوا بهم، ولقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - " لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف "، ثم قام النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقال: " اللهم منزل الكتاب ومجرى السحاب وهازم الأحزاب اهزمهم وانصرنا عليهم " (١).

أمر الله تعالى بالثبات بأن يلاقوهم ثابتين في أماكنهم، فإنهم إن لم يثبتوا ضُربوا في أقفيتهم، فيتمكن منهم العدو، فيقتلون، ولا ينالون من عدوهم منالا، وإن ثبتوا لَا يقتل واحد من المؤمنين إلا إذا قتل عددا من المشركين، وحيث كان الفرار كانت الهزيمة لَا محالة، وقد أمر بذكر الله كثيرا فإن النصر ليس بالسلاح ولا التخطيط فقط، بل مع ذلك بأمرين في القلوب:

أولهما - الثبات، فلا تضطرب الصفوف ولا يصيبها الخلل فترجف الأفئدة ولا تضيع الثقة بين الجند.

وثانيهما - ذكر الله تعالى، فإن ذكر الله يجعل القلوب تطمئن، وإن ذكر الله يملأها إيمانا ويقينا، ورجاء في النصر. وإن ذكر الله يذهب فزع القلوب، ويساعد على الثبات، وإن ذكر الله يذكر بوعده بالنصر فهو يزيده أملا بالنصر،


(١) متفق عليه؛ رواه البخاري: الجهاد والسير (٢٩٦٦)، ومسلم: الجهاد والسير - كراهة تمني الموت (١٧٤٢). عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>