للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بينهم شديدًا، وإن الأثر الواضح للتنازع هو الفشل؛ ولذا قال تعالى: (فَتَفْشَلُوا) الفاء للسببية تدل على أن ما بعدها سبب لما قبلها، أي أنه بسبب ذلك التنازع يكون الفشل، والفشل هو العجز، بحيث كان النزاع كان العجز عن عمل جماعي؛ لأن العمل الجماعي يجب أن تتضافر فيه القوى، ويكون كل جزء من الجماعة متعاونا مع الجزء الآخر، فتتحد القوى، وتتلاقى نحو هدف معين يجمعها.

وإنه وراء الفشل ذهاب القوة، ويطمع فيهم الطامعون، ولذا قال تعالى: (وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) أي قوتكم، ويفسر الزمخشري الريح بالدولة، ويقول رضي الله تعالى عنه: (والريح الدولة شبهت في نفوذ أمرها وتمَشِّيه بالريح وهبوبها)، فيقال: هبت رياح بني فلان إذا دالت له الدولة ونفذ أمره، ومنه قوله:

يا صاحبي ألا لَا حيَّ بالوادي ... إلا عبيد قعود بين أزراد (١)

أتنظران قليلًا ريث عقلهم ... أم تعدوان فإن الريح للعادي

ولقد قال قتادة لم يكن نصرًا إلا بريح يبعثها، وكان ذلك مناسبا فيكون الفشل فيه ذهاب للريح التي تكون القوة، ولقد روى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدَّبور " (٢).

حذرهم الله تعالى من ثلاثة أمور أولها: مخالفة الله ورسوله بالعمل بغير أمر الله ونهيه، والثاني: من مخالفة الرسول - صلى الله عليه وسلم - القائد، ومخالفة كل قائد رشيد، والأمر الثالث: من التنازع، فإن الاختلاف مضيعة الجيوش، ومهلكة الأمم.

وقد ختم الله سبحانه وتعالى الآية بقوله تعالى: (وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)، وفي هذا النص الكريم يدعو الله تعالى إلى الصبر؛ لأنه قوة الجهاد، وقوة الطاعة، ويربي العزيمة، ويمنع الاختلاف، إذ إن الاختلاف ينشأ عن الجزع


(١) الزرد: والزَّرْد مثل السَّرْد وهو تداخل حلق الدرع بعضها في بعض لسان العرب - زرد.
(٢) سبق تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>