للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

و (إذ) ظرف للماضي متعلق بمحذوف، أي: اذكر يا محمد إذ زين لهم الشيطان أعمالهم، وقال لهم لَا غالب لكم اليوم من الناس، وقوله تعالى: (زَيَّنَ) أي حَسَّنَ لهم ذلك، بأن وسوس في نفوسهم حُسْنَهُ وأوهمهم الشيطان بوسوسته في النفس أنهم أوتوا القوة كلها، وأنه لَا غالب لهم اليوم من الناس، وأن لهم بحيرا من أوهامهم فليس هناك شيطان ظهر لهم، وقال ما قال، إنما هي وسوسة الشيطان، وهو يجري في الإنسان مجرى الدم، فهو زين لهم بوسوسته، كما زين بها عبادة الأصنام، وكما زين لهم تحريم ما أحل من بحيرة وسائبة ووصيلة وحام، زين لهم بوسوسته أنهم لَا غالب لهم من الناس، وزين لهم بأوهامه التي بثها فيهم أنه مجير وجار لهم يجيرهم من أي ضيم ينزل بهم، كما تلاقى الخربان تبدد ذلك كله، ورأو! الأمر عيانا، وأنه لَا منجاة لهم، ورأوا أنه أوهمهم ما لم ير، وإن الحقاتق بدت لهم واضحة.

الكلام تصويريّ يحكي قصة إغرائه، وتزيينه لهم أنهم الأقوياء وكأنه يحدثهم، فيدليهم بغرورهم، وبث فيهم القوة الزائفة، ويوهمهم أنه جار ولا جوار، وأنه لما اشتدت الشديدة قال: إني بريء منكم، وإني أرى ما لَا ترون، وكل هذا تصور لما جاش في نفوسهم، وإنا نميل إلى هذا.

وقد جاء في السير وفي بعض الأخبار في مقابل ما ذكرنا أن إبليس تمثل في صورة رجل من العرب، روى محمد بن إسحاق عن عروة بن الزبير: لما أجمعت قريش المسير ذكرت الذي بينها وبين بني بكر من الحرب، فكاد ذلك أن يثنيهم، فتبدى لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشم، وكان من أشراف بني كنانة فقال: أنا جار لكم أن تأتيكم لنا بشيء تكرهونه فخرجوا سراعا، قال محمد ابن إسحاق: فذكروا لي أنهم كانوا يرونه في صورة سراقة بن مالك فلا ينكرونه، حتى إذا كان يوم بدر والتقى الجمعان كان الذي رآه حين نكص - الحارث بن هشام أو عمير بن وهب، فقال: أين سراقة؟! ونظر عدو الله إلى جنود الله من الملائكة

<<  <  ج: ص:  >  >>