وقد فسرنا كما ترى معنى (عَلَى سَوَاء)، أي لتكونوا معهم على سواء أي متساوين تحُللون من العهد ويتحللون ويكون الاستعداد من الجانبين، وقيل: إن معنى (عَلَى سَوَاء) أي يكون النبذ معلوما مشهورا.
وإن النبذ يقتضي أن يكون ثمة عهد قد خانوه، أو همُّوا بأن يخونوه، وتأكد لديكم هذا، وتلك هي الأمانة التي أودعها الله تعالى أوامره للمؤمنين، بأن يكون أشرافا في الوفاء بعهودهم، فإذا توقعوا الخيانة متأكدين لها، فإنهم لَا يَسْبقون بالخيانة، بل يَنّبُذون ويُعلمونهم بأن لَا عهد.
وإن الخيانة لها صورتان:
الصورة الأولى - صورة الذين يتوقعون الخيانة ومتأكدين من وقوعها قبل أن تقع، وفي هذه الحال يعلنون ترك العهد واعتباره كان لم يكن ليستعدوا.
الصورة الثانية - أن يغدر المتعاهدون بالفعل، كما غدر المشركون في صلح الحديبية، فقد كان العهد يجيز لمن يدخل في جانب محمد أن يدخل فلا يعتدى عليه، فدخلت خزاعة في عهده، فاعتدت عليها قريش، وقد رأينا ذلك في الدول في الماضي، ونراه الآن، ولذا يقول تعالى:(وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَان مَسْئُولًا)، فكان الاعتداء بل الخيانة بالفعل.
وقد زال العهد بذلك، فكان متحللا، ولذا غزا الغزوة الكبرى بفتح مكة من غير نبذ، إذ هم قد نبذوه من قبل لَا بالقول بل بالفعل.
وقد كان الصحابة قبل أن ينقضوا هذا العهد بالفعل، يحذرون النبي - صلى الله عليه وسلم - من نقضهم ويخافونه، فكان النبي الوفي الأمين يقول:" وفوا لهم واستعينوا الله عليهم ".
وإن ذكر الخوف من الخيانة يقتضي أن هناك عهدا عاهده - صلى الله عليه وسلم - أو من جاء بعده، ويخاف من نقضه فإنه لَا خيانة إلا في عهد مبرم.
ونقول: إن الخيانة قد تكون بحرب يعدُّونها، وينقضون بها السلم الذي كان بحكم العلاقات الأدبية أو السلمية، ويريدون أن يخونوا المسلمين ويأخذوهم، فإنه