ولم يكونوا جميعا من المؤمنين أمثال الذين قاتلوا في بدر وأحد، والمغازي الإسلامية التي قاتل فيها المؤمنون، بل كان فيهم المؤلفة قلوبهم الذين دخلوا في الإسلام وهم حديثو عهد به.
جاءت هوازن مدفوعة بحمية الدفاع عن النفس، وجاء المسلمون ولم يكونوا على قلب رجل واحد، بل كان فيهم من توسوس له نفسه أن يغدر بمحمد - صلى الله عليه وسلم -، وقد بادر أهل الطائف فرشقوا المسلمين ومن معهم بالنبال، وأصلتوا في الوادي الذي يسمى حنينا، وجاء النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكانت هوازن ومن معها قد كمنت في جنبتي الوادي وهجمت على المسلمين الذين دخلوا في بطن الوادي هجمة رجل واحد، واضطرب المسلمون، ولم يعرف أحد أحدا، وبذلك ضاقت عليهم الأرض بما رحبت إذ قد تهيات هوازن ومن معها في مضايق الوادي وأحنائه.
ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ناحية من الأرض قد ثبت، وثبت معه المؤمنون، من المهاجرين والأنصار، وأخذ ينادي المسلمين، ولكن انكفأ بعضهم على بعض، وكما قال الحافظ ابن كثير في تاريخه:" انحط بهم الوادي في عماية الصبح، وثأرت في وجوههم الخيل فشدت عليهم، وانكفأ الناس متهربين لَا يقبل أحد على أحد، وانحاز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات اليمين يقول: " أيها الناس هلم إليَّ أنا رسول الله، أنا محمد بن عبد الله "، فلا شيء، وركبت الإبل بعضها بعضا، فلما رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك قال: " يا عباس، اصرخ يا معشر الأنصار "، فأجابوه: لبيك لبيك ذَهب الأنصار في هذا المضطرب مجيبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
كان رسول الله ومعه بعض أهله الأدنين، معه عمه العباس، وهو آخذ بلجام دابته، وابن عمه أبو سفيان بن الحارث، وابنه جعفر، وعلي بن أبي طالب، وأسامة بن زيد، وأيمن بن عبيد، وربيعة بن الحارث، والفضل بن عباس وقثم بن العباس، فهؤلاء عشرة من أقارب رسول الله الأدنين ومعهم وزيرا النبي - صلى الله عليه وسلم -.
كان هؤلاء الثابتون وعلى رأسهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي كان إذا حمى الوطيس أحاطوا به واتقوا حر القتال بالإيواء إليه، والنبي ينادي المؤمنين، والعباس