للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فلما أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يعيد الكرة على الروم لكيلا يطمعوا في المسلمين، ويستصغروا أمرهم كما هو الشأن في استصغارهم أمر العرب، ولأنهم قتلوا من أسلم من أهل الشام ليفتنوهم عن دينهم، وما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - ليسكت عن فتنة المؤمنين، وهو قادر على منعها.

كانت غزوة تبوك هي الردع للروم، لكيلا يضطهدوا المؤمنين في أرضهم، ولكيلا يتخذوا أهل الحق خولا لهم، وأراد النبي أن يكون العدد كثيرا، أو أراد الله تعالى له ذلك.

ولذا دعا الجميع أن ينفروا؛ لأن قضية العرب أمام الرومان، فقال تعالى: (انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا) أي انفروا جميعا، ولا فرق بين غني حِمله خفيف، أو فقير مثقل بالعيلة والأولاد، ولا فرق بين شاب وشيخ، ولا فرق بين حال منشط أو مكره، وحال إقبال وحال إثقال واستكراه، وحال خفة إلى العمل، وإثقال في التحرك إليه.

انفروا جميعا غير متعللين بأية علة، فإنها قضية الإسلام والعرب، فإما أن يذلوا للرومان أو يعتزوا بالإسلام.

ثم قال تعالى: (وَجَاهِدُوا بِأمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ) والجهاد بالمال يكون بالإنفاق على الحرب، وعلى أدواته، وعلى إعانة من لَا مال لهم، والجهاد بالنفس بحمل السيف، والقتال، وإعانة المقاتلين، ويروى أن شيخا أثقلته السنون ذهب إلى الحرب، فثبطه ضعف الشيخوخة، فقال: إن لم أقاتل عاونت المقاتلين، وأغنيهم عن بعض ما يحتاجون إليه.

والجهاد بالنفس يتناول تعويدها الصبر وتحمل المكاره.

وقال تعالى: (ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ) أي الخروج بنفير عام، وغير معوقين بأثقال أو بأي سبب من الأسباب (خيْرٌ لكُمْ) لأنه العزة، والعزة خير من الذلة، وفيه إرضاء الله وإرضاء الله خير كله؛ ولأنه الرفعة، ولأنه الكرامة، والكرامة خير من

<<  <  ج: ص:  >  >>