للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(قُلِ اسْتَهْزِئُوا) هذا أمر للتهديد، كقولك للمجرم الذي بدا إجرامه افعل ما شئت، وكقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " إذا لم تستح فاصنع ما شئت " (١).

(إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ) أي إن الله تعالى كاشف ما تأتمرون به، وما تستهزئون به من قول يكشف عن نفاقكم، وفي قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ) أي أن يخرج، تأكيد لإخراج هذا الأمر الذي يحذرون خروجه، أولا بالجملة الاسمية، و (إِنَّ)، الدالة على توكيد الخبر، وفي التعبير بلفظ الجلالة الذي يربي الرهبة والخوف في النفس، وقوله (مُخْرِجٌ) فيه إشارة إلى مبالغتهم في الحذر، كأنهم دفنوه فأخرج من دفين نفوسهم.

ولقد جاء في تفسير أبي مسلم أن قوله تعالى: (يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ. . .) من قبيل على القرآن، فقال هذا حذر أظهره المنافقون على وجه الاستهزإء حين رأوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذكر كلامهم ويدعي أنه من الوحي، وكان المنافقون يكذبون ذلك فيما بينهم، فأخبر الله وسوله بذلك، وأمره أن يعلمهم أنه يظهر سرهم الذي حذروا إظهاره، ولذلك قال تعالى: (قُلِ اسْتَهْزِئُوا)، أي بالله وآياته ورسوله، أو افعلوا الاستهزاء، وهو أمر تهديد (إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ) أي مظهر بالوحي ما تحذرون خروجه.

ويقول إن هذا احتمال، ولكن السياق القرآني يدل على استهزاء أظهره الله تعالى، وإن هذه الآية تدل على أنهم يكثرون من الاستهزاء والله مخرج أمورهم، حتى لَا يخدع فيهم مؤمن قال تعالى: (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ (٢٩) وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ (٣٠).

* * *


(١) سبق تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>