للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال: " لَمَّا أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ أَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَخَذَ الْعَقَبَةَ، فَلَا يَأْخُذْهَا أَحَدٌ، فَبَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُودُهُ حُذَيْفَةُ وَيَسُوقُ بِهِ عَمَّارٌ إِذْ أَقْبَلَ رَهْطٌ مُتَلَثِّمُونَ عَلَى الرَّوَاحِلِ، غَشَوْا عَمَّارًا وَهُوَ يَسُوقُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَقْبَلَ عَمَّارٌ يَضْرِبُ وُجُوهَ الرَّوَاحِلِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحُذَيْفَةَ: «قَدْ، قَدْ» حَتَّى هَبَطَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا هَبَطَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَزَلَ وَرَجَعَ عَمَّارٌ، فَقَالَ: «يَا عَمَّارُ، هَلْ عَرَفْتَ الْقَوْمَ؟» فَقَالَ: قَدْ عَرَفْتُ عَامَّةَ الرَّوَاحِلِ وَالْقَوْمُ مُتَلَثِّمُونَ قَالَ: «هَلْ تَدْرِي مَا أَرَادُوا؟» قَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «أَرَادُوا أَنْ يَنْفِرُوا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَطْرَحُوهُ " (١).

وهكذا هموا بقتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم ينالوا منه، وصدق وعد الله لرسوله إذ يقول له: (. . . بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ. . .). وقد ذكر المفسرون أن النص الكريم (وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا) خاص في تلك الحادثة. ونحن نقول إن النص يشمل كل ما هموا به ولم ينالوه.

ثم يقول سبحانه: (وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ) لقد ازداد عمران المدينة بمقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فاتسعت تجارتها، وكثر سكانها، ثم ما كانت تأتي به الحروب الإسلامية من غنائم زادت الخيرات واتسعت الموارد، وعمت سكان المدينة وغيرهم، ولكن المشركين لم يلتفتوا إليه وأن ذلك يوجب الحمد، ولكنهم لؤماء أخساء، قابلوا النعمة بالكفر، وتأكد لؤمهم بقلبهم النعمة نقمة، فهم بدل أن يشكروا النعمة كفروها، وقالوا إن هذا يشبه تأكيد المدح بما يشبه الذم في صيغته، كما في قول النابغة الذبياني:


(١) راجع القصة كاملة في مسند أحمد: باقي مسند الأنصار - حديث أبي الطفل عامر بن واثلة رضي الله عنه (٢٣٢٨٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>