المنافقين؛ لأنهم موضع حديث الله تعالى في كتابه سبحانه إذ الكلام في أحوالهم النفسية وتخذيلهم للمؤمنين وخدعهم لهم، ونقول خص سبحانه الرجوع إلى طائفة من المنافقين؛ لأن هذه الطائفة هي التي اعتادت التثبيط، وبث روح التردد والهزيمة، وهي تعاود الاستئذان كلما اشتدت الشديدة وجد الجد، لَا ليقعدوا فقط، بل ليكونوا أسوة لغيرهم، فيقتدى بهم من ضعفاء الإيمان والجبناء من يصيبهم هلع عند الحرب، وفزع عند اللقاء.
هذا هو الذي بدا لنا. من التعبير في قوله:(فَإِن رَّجَعَكَ اللَّه إِلَى طَائِفَة مِّنْهُمْ) إذ هي التي اعتادت التخذيل والتثبيط، وبث روح التردد والهزيمة، وقوله تعالى:(فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ) الفاء هنا للترتيب والتعقيب، أي أنه بمجرد أن ترجع إليهم يفاجئونك بالاستئذان كعادتهم، وقد يكررون في هذه الحال معاذيرهم الكاذبة، وهذا يدل على أن هذه الطائفة منهم هي ذات المعاذير المتكررة المثبطة.
ولقد أمر الله تعالى نبيه بأن يسجل عدم الثقة معهم، وأنه لَا يعدهم في جماعته المؤمنة المجاهدة فقال تعالى:(فَقل لَّن تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدَا وَلَن تُقَاتلُوا مَعِيَ عَدُوًّا).
وأمر الله تعالى نبيه بأن يقول لهم:(لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا) بالنفي المؤكد بـ (لنْ)، لأن لن لتأكيد النفي، ولقد قال الزمخشري في تفسير قوله:(لَنْ تَخْرُجُوا) إن لن لتأكيد النفي، وسواء أكان القول ما قال الزمخشري أم لم يكن، فإن النفي هنا للتأكيد بقوله تعالى أبدا.
وكان قرار منع الخروج الأبدي؛ لأنهم خرجوا في أحد، فهمت طائفتان أن تفشلا بتخذيل المنافقين ثم تركوا هم الغزوة، ليسلك غيرهم مسلكهم، وأفسدوا ما بين المؤمنين في غزوة بني المصطلق، وقال قائلهم:(. . . لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ. . .)، وهكذا فهم إذا خرجوا مع المؤمنين كان منهم السعي بالشر بينهم، وقال تعالى:(وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا) وإن هذا