للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أنفسهم على سواري المسجد وأقسموا ألا يحلوا أنفسهم إلا إذا حل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رباطهم، فلما جاء من سفره وإنه كان من سنته أنه إذا جاء من سفر صلى لله ركعتين، فلما رآهم أبي أن يحل وثاقهم حتى يجيء أمر الله بذلك، وقد نذروا أن يتصدقوا بأموالهم إن غفر الله لهم تخلفهم، فغفر الله تعالى لهم بهذه الآية التي فيها (عَسَى اللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) (١).

فلما تاب الله تعالى قدموا من أموالهم، وبعضهم قدم كل أمواله تكفيرًا عما اجترِح من سيئة التخلف وهو قادر، ويقول تعالى في شأنهم: (خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا) وهو الجهاد السابق والإيمان، والإحساس بالذنب، والتوبة النصوح، والتصديق، والآخر السيئ؛ وهو التخلف في الجهاد الذي بعدت فيه الشقة، وهذا أمر سيئ؛ لأنه عصيان لأمر الله تعالى؛ ولأنه تخاذل في وقت الشدة؛ ولأنه إيثار للراحة على الجهاد.

وقوله: (خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا)، أي جمعوا بين الخير والشر، ولم يقل سبحانه وتعالى - ولكلامه المثل الأعلى - خلطوا بعمل صالح آخر سيئا من غير تمييز بين المخلوط والمخلوط به؛ لأنه ليس المقصود معرفة المخلوط من المخلوط به، إنما المقصود أنهم جمعوا بين الصالح والطالح، وقوله تعالى: (عَسَى اللَّه أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) الرجاء ليس من الله إنما هو من العباد، يرجون أن يتوب الله عليهم أي يرجع عليهم بقبول التوبة.

أو يقال إن الأمر ما دام قد اختلط الخير بالشر وكان الترجى فإن الأمر يرجى فيه قبول التوبة؛ لأن الحسنات يذهبن السيئات، ولأن الخير الغالب برحمة الله يذهب بالشر المغلوب، وأن غفران الله ورحمته يطلبان قبول التوبة حيث كان لها مسوِّغ، لأن الله تعالى يقبل التوبة من عباده، ولأنه غافر الذنب قابل التوب شديد العقاب، وختم الله تعالى الآية بقوله: (إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) في هذه الجملة


(١) راجع ابن جرير الطبري: جامع البيان (١١/ ١١٠). كما أخرجه ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل. الدر المنثور (٤/ ٢٧٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>