للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إذا كان الله تعالى يقبل توبتكم، وباب التوبة مفتوح لَا يغلقه الغفور الرحيم، فاعملوا أيها الناس، اعملوا لما يرضي الله تعالى ولا يمنعكم ذنب أذنبتموه، أو خطأ وقعتم فيه من أن تعملوا، والخطاب عام للمؤمنين وغيرهم وليس للتوابين وحدهم، ولا للمتخلفين وحدهم، ولكنه موجه للجميع، ليعمل المذنب الخير ويستر غيره.

وقوله تعالى: (فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنونَ) قال بعض المفسرين إن في ذلك تهديد أو إنذار، ولكنا نرى أن فيه تحريضا على العمل الصالح ورؤية الله تعالى يعقبها جزاؤه إن خيرًا فخير وإن شرا فشر، والرسول يرى العمل فإن كان خيرا أقره، وإن كان شرا نبَّه إليه ودعاهم للإقلاع عنه، ورؤية المؤمنين ليعلموا حال من يخالطونهم فإن كانوا أشرارا نصحوهم ثم اجتنبوهم، وإن كان عملهم خيرا عاونوهم وأقروهم، وأكد أنه والرسول ومن معه يرون الأعمال، وذلك لأن (السين) تفيد تأكيد تحقق الوعد الذي وعده الله تعالى، ولقد جاء في الحديث الصحيح برواية أبي سعيد الخدري: " ولو أن أحدكم يعمل في صخرة صماء ليس لها باب ولا كوة لأخرج الله عمله للناس كائنا ما كان) (١) والناس يشهدون على الخير خيرا وعلى الشر شرا، والرسول يشهد على الناس، كما يشير قوله تعالى (. . . لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا. . .).

(وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِم الْغَيْبِ وَالشهَادَةِ).

السين لتأكيد وقوع ما بعدها في المستقبل، أي ستعودون إليه سبحانه، وتعرض عليه أعمالكم لَا تخفى منها خافية، فإن كانت خيرا، أو شرا تبتم منه وأحسنتم التوبة، فإن الجزاء يكون خيرا، وإلا فالعاقبة السوءى.

وهذه الجملة السامية فيها تبشير وإنذار، تبشير للمؤمنين، وإنذار للمشركين الذين عصوا أمر ربهم، واستمروا في عصيانهم وضلالهم،


(١) أخرجه أحمد: باقي مسند المكثرين - مسند أبي سعيد الخدري (١٠٨٤٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>