للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الإثنين وبقي بقباء أربعة أيام الإثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس ثم انتقل إلى المدينة يوم الجمعة، فيكون منطبقا عليه أنه أسس على التقوى من أول يوم تمت فيه الهجرة، وأسس على التقوى لأن الذي بناه هو الرسول أولا، وبني ابتداء للعبادة ثانيا، وذلك فضل ثانٍ للمسجد يجعله أحق أن تقوم فيه الصلاة من غيره، ويلاحظ أنه ذكر فضل هذا المسجد ولم يذكر ما أحاط بالآخر من نيات مناقضة، إذ إن الآخر أُسِّسَ ضرارًا وكفرًا وتفريفا بين المسلمين، وإرصادًا لمن حارب الله ورسوله - لم يذكر ذلك اكتفاء بما ذكر أولا، فذكر السوء لَا يكرر، ولأن في ذكر حسنات هذا المسجد، تعريضا واضحا بسيئات الآخر.

والمسجد عند الأكثرين هو مسجد قباء، وادعى بعض الرواة أنه مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولكنا نختار ما اختاره الأكثر؛ لأن مسجد قباء أول مسجد بني بعد الهجرة، بل أول المساجد بإطلاق، ومسجد النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بني بعده، ولأن المفاضلة كانت بين مسجد قباء ومسجد الضرار الذي حاولوا به الغض من مقامه، ومقام الذين بنوه، وإن الضرار الذي ذكر كان يقصد به مكايدة أهل قباء وذلك ما نراه الحق، ومسجد الرسول له فضله فوق كل هذا، فهو أحد المساجد الثلاثة التي تشد إليها الرحال: البيت الحرام، وبيت المقدس، ومسجد الرسول.

هذا فضل ذاتي لمسجد قباء، وله فضل إضافي آخر، وهو فضل من يصلون فيه، فإنهم ليسوا منافقين ولا مرائين، بل أخلصوا دينهم لله تعالى، ولذا قال فيهم: (فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ) أي رجال يريدون أن تخلص قلوبهم وتطهر نفوسهم من الرياء والكفر والنفاق، ويغسلوها من أدران النفوس، أي يحبون أن يكونوا لله مخلصين له الدين لَا أن يكونوا لغيره، والله يحب هؤلاء المطهرين، الذين غسلوا أدران قلوبهم.

وقد فسر الزمخشري وغيره الطهارة الحسية والبدنية، فقد جاء في الكشاف ما نصه: وقيل: لما نزلت مشى رسول الله والمهاجرون حتى وقف على باب مسجد

<<  <  ج: ص:  >  >>