للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والشرط الثاني - أن يدخل غير مستبق لنفسه، كما كان يفعل المجاهدون الأولون أمثال حمزة وعَلِي والزبير الذين يدخلون المعركة، فلا يدرون أيقعون على الموت، أم يقع الموت عليهم، ولذا قال تعالى:

(فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ) أي فإذا دخلوا في القتال رضوا بمرارته، وإرادة النصر، وأن تكون كلمة الله تعالى هي العليا، فيقتلون الكفار في سبيل الله، ويقتلون هم في هذا، ولا يحسبون أنهم يخسرون في الحالين، فإن قتلوهم فذلك سبيل النصر، وإن قتلوا سارعوا إلى قبض الثمن في الصفقة التي عقدوها مع ربهم.

وفى هذا النص الذي ذكره القرآن الكريم أمران نتكلم فيهما:

أولهما - أن هذا النص يشير إلى أن الفرار لَا يجوز، لأنه ضَنّ بتسليم المبيع وهو النفس، ولا يضن مؤمن بتقديم ما عاهد الله تعالى عليه، وقد قال تعالى في آية أخرى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ).

الثاني أن هنا قراءتين - أولاهما - فيقتلون بالبناء للفاعل، والثانية بالبناء للمفعول، والقراءة الثانية العكس (١)، وكل قراءة قرآن، وبمجموع القراءتين تكون الآية داعية إلى ألا يفرقوا بين أن يَقتلوا أو يُقتلوا، فإن الملكية التي أثبتوها لله تعالى تسوغ ذلك، وتوحيه كما نوهنا.

وقد قدموا أنفسهم لله تعالى، وأكد الله تعالى أن الثمن الذي قدره، وهو مربح، ويزيد أضعافا مضاعفة على ما أعطوا - آت لَا محالة، لأنه وعده الذي وعده، ولذا قال تعالى: (وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا) أي وعد الله وعدا حقا لَا يتخلف؛ لأن الله تعالى لَا يخلف الميعاد، وإذا كنتم قد قدمتم ما عندكم، فإن الله تعالى


(١) (يقتَلون ويَقتُلون): قراءة حمزة والكسائي، وخلف. وقرأ الباقون (فيَقتُلون ويُقتَلون). غاية الاختصار - (٩٧٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>