للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الدعوة الإسلامية، واستمساكا بدينهم، وكان الأنصار الذين آووا ونصروا، وإذا كان المهاجرون آزروا النبي صلى اللَّه تعالى عليه وسلم، وأقاموا معه الدعامة الأولى لبناء الإسلام، فالأنصار هم الذين عاونوا النبي صلى اللَّه تعالى عليه وسلم في إقامة الدولة الإسلامية، وإذا كان الأولون هم قوم النبي - صلى الله عليه وسلم - وأقرباءه، فالأنصار هم أحباؤه الذين أقسم لهم وإنه لصادق: " لو سلك الناس شعبا، وسلك الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار "، والذين دعا لهم فقال: " اللهم ارحم الأنصار، وأبناء الأنصار " (١)، رحمهم اللَّه ولعن من أذاهم وأبى.

وقد وصف اللَّه المهاجرين والأنصار بوصف يبين حالهم في حال الشديدة التي كانت في تبوك ففال: (الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ)، والساعة الجشء من الزمن كالغداة، والعشي، والظهيرة، وهذا وصف كاشف لحالهم ولخبيئه، فالمهاجرون الذين تركوا الدار والأهل والمال هم الذين اتبعوا النبي صلى اللَّه تعالى عليه وسلم في ساعة الشدة، وكذلك الأنصار الذين آووا ونصروا، وكانوا يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة هم كذلك الذين اتبعوه في ساعة العسرة، وقد ذكرنا بعض ما كان من عسرة شديدة، حتى أن الأعناق كادت تنقطع من شدة العطش لولا دعاء الرسول صلى اللَّه تعالى عليه وسلم.

وقد صور اللَّه تعالى شدة العسرة على بعض النفوس فقال تعالى: (مِنْ بَعْدِ مَا كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ منْهمْ)، أي أن الشدة بلغت أقضاها حتى كادت تزيغ قلوب أي تنحرف وتضل قلوب فريق منهم، ولكنهم لم يزيغوا، ولم يضلوا، بل اصطبروا، ومرت الشديدة، وانتهوا إلى الاطمئنان.

وقال تعالى: (ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ) الضمير في (عَلَيْهِمْ) إما أن يعود إلى المهاجرين والأنصار، ويكون تأكيدا لقبول توبة اللَّه لهم، وإما أن يعود على الذين كادت تزيغ قلوبهم، وهذا ما نميل إليه، ويكون المعنى إن العسرة كانت شديدة


(١) سبق تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>