للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد تكلم الرواة في هذه الآية على الآثار الواردة عن النبي صلى اللَّه تعالى عليه وسلم في مقام العلم بجوار الجهاد، وأن الآثار التي وردت في فضل العلم لا تقل عن الآثار التي وردت في فضل الجهاد، وكلاهما ينبعان من نبعة واحدة وهي إعلاء كلمة اللَّه، فالأول لبيان الحق، والثاني للذود عن حياضها، وتغيير السبل أمامها، حتى لَا يعوقها طاغ من طغاة الأرض، وقد روى أنس بن مالك أن رسول اللَّه صلى اللَّه تعالى عليه وسلم قال " طلب العلم فريضة على كل مسلم " (١).

ولقد روى الترمذي من حديث أبي الدرداء، أن رسول اللَّه صلى اللَّه تعالى عليه وسلم قال: " من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهَل اللَّه له به طريقا إلى الجنة " (٢)، وروي أن رسول اللَّه صلى الله تعالى عليه وسلم قال: " فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم " (٣).

وإن هذا الوصف هو للعالم الذي فقه في الدين، واعتز به، ولم ينافق فيه، ولم يتخذه سبيلا للعلو والفساد واجتياز المجالس عند الأمراء ونيل الدنيا به، وبالنفاق والكذب، والافتراء على اللَّه، ولقد قال الزمخشري في هذا الصنف من العلماء، ويظهر أنهم كثروا في عصره عندما انزلق العلماء إلى موائد السلاطين. فقد قال رضي اللَّه تعالى عنه فيما ينبغي للعلماء:

" وليجعلوا غرضهم، ومرمى همتهم في التفقه إنذار قومهم، وإرشادهم، والتصغية لهم، لَا ما يتجه إليه الفقهاء من الأغراض الخسيسة، ويؤمُّون به من المقاصد الركيكة من القصور والترؤس، والتبسط في البلاد، والتشبه بالعظمة في ملابسهم، ومراكبهم ومنافسة بعضهم بعضا، وفشو داء الضرائر بينهم، وانقلاب حماليق أحدهم إذا لمح لأحدهم مدرسة لآخر أو شرذمة جثوا بين يديه، وتهالكه


(١) سنن ابن ماجه: المقدمة - فضل العلماء والحث على طلب العلم (٢٢٤).
(٢) سبق تخريجه.
(٣) رواه الترمذي: ما جاء في فضل الفقه على العبادة (٢٦٨٥). وابن ماجه: المقدمة - من قال العلم الخشية وتقوى الله (٢٨٩) بلفظ مقارب.

<<  <  ج: ص:  >  >>