للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثم المنع أهو من مسجد واحد، أم منع من مساجد متعددة، أو حكم عام - وهو الظاهر - أم ذكر لوقائع معينة؟ قال بعض العلماء، وعلى رأسهم ابن جرير الطبري: إن المراد مسجد واحد، وهو المسجد الأقصى، إذ منع النصارى الصلاة وذكر الله فيه، وخربوه بعد أن حرفوا النصرانية ودخلوا في الديانة المحرفة.

وقال الأكثرون من المفسرين: إن الكعبة المكرمة هي التي منع المشركون في مكة أن يذكر فيها اسم الله تعالى، وذلك عام الحديبية فقد منعوا النبي - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين من أن يدخلوا البيت الحرام. وعلى رأس هذا الفريق من مفسري السلف الحافظ ابن كثير رضي الله تبارك وتعالى عنه ولنترك الكلمة له. قال: والذي يظهر لي القول الثاني وهو أن المنع كان من البيت الحرام، وروي عن ابن عباس أن النصارى منعت اليهود الصلاة في بيت المقدس؛ لأن دينهم أقوم من دين اليهود (وفى ذلك نظر) وكانوا أقرب منهم، ولم يكن ذكر الله من اليهود مقبولا؛ لأنهم لعنوا من قبل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون، وأيضا فإن الله تعالى لما وجه الذم في حق اليهود والنصارى شرع في ذم المشركين الذين أخرجوا الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه من مكة ومنعوهم من الصلاة في المسجد، وأما اعتماده (أي ابن جرير) على أن قريشا لم تسع في خراب الكعبة؛ فأي خراب أعظم مما فعلوا؟!! أخرجوا عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه واستحوذوا عليها بأصنامهم وأندادهم وشركهم كما قال تعالى: (وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (٣٤).

وقال تعالى: (مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ (١٧) إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (١٨).

ويسترسل الحافظ ابن كثير في سوق الآيات الدالة على منع المشركين من أن يدخل المؤمنون البيت الحرام، وفسر تخريب البيت لَا بمعنى تدميره ونقض بنيانه،

<<  <  ج: ص:  >  >>