للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

توائم العقل وتواكبه ومدى ما فيه من إنذار لمن كفر وثواب لمن آمن، وذلك لمن يخاطب بأمر غريب لم يألفه فإنه يسارع إلى إنكاره بادي الرأي، ثم إذا شرد عقله عن الطريق المستقيم ضل في السبل وأصبح لَا يسمع منادي الصواب إذ يناديه، وداعي الهداية إلى الحق وهو يدعوه.

وهذا نراه في أصحاب المذاهب المنحرفة إذا فوجئوا بما يخالفها أنكروه ثم حاولوا أن يجمعوا ما يؤيد ما جنحوا إليه من المنكر، وإن محمدا - صلى الله عليه وسلم - جاء إليهم على فترة من الرسل في الأرض العربية وقد عمتهم جهالة دينية، فجاءهم بأنه رسول من عند اللَّه تعالى وكان ذلك غريبا فيهم، وجاءهم بقرآن هو معجزته فلم يتدبروه ويفهموه فعجلوا برده، ثم ساروا من بعد في سبل الضلال.

(وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأوِيلُهُ) التأويل هو التفسير والفهم وفقه الكلام ومراميه ويطلق بمعنى معرِفة المآل ومن ذلك قوله تعالى: (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا. . .).

والنص القرآني يقبل تفسيرين، بل لَا مانع من الجمع بينهما:

أولهما - أنهم كذبوا ولم يحيطوا بعلمه، والحال أنهم لما يأتهم في مداركهم وأفهامهم فقهه وما فيه من إنذار وتبشير، وسيأتيهم لَا محالة إذا تأملوه.

ثانيهما - أنهم لم يأتهم مآله، وأنه آت لَا محالة، وأنهم كذبوا القرآن بما فيه من بعث ونشور وحساب وثواب بالجنة وعقاب بالنار وأنه سيأتيهم، وقد وعد سبحانه، وإنه منجز وعده.

وإن هذه الحال من المشركين هي الحال التي كانت في الأمم السابقة الذين بعث فيهم الرسل وسارعوا بتكذيبهم قبل أن يتأملوا ما أتوا به وقبل أن يعرفوا قوة المعجزة، ثم لجوا في تكذيبهم حتى نفذ اللَّه تعالى أمره فيهم كقوله تعالى: (كَذَلِكَ كذَّبَ الَّذِين مِن قَبْلِهِمْ) كهذه الحال التي كان عليها المشركون من العرب

<<  <  ج: ص:  >  >>